إعلان إدارة أوباما عن نيتها تزويد المعارضة السورية بمضادات للطائرات جاء متأخرا جدا، جاء بعد السماح للنظام السوري وحليفه الروسي بالسيطرة على الأجواء أكثر من خمس سنوات، وفعل كل هذا الدمار، بعد سقوط حلب وتشريد أهلها، جاء بعد أنهار من الدماء، وبعد وصم الثورة السورية بالإرهاب، بالضبط كما شاء النظام وأطراف عربية ودولية أخرى، ومنها أمريكا وإسرائيل.
كان يمكن لأمريكا شل ذراع سلاح الجو السوري قبل الروسي منذ سنين، وكان يمكن لها أن تكون حليفا جيدا لتركيا، يوم طالبت بمنطقة عازلة، كان يمكن لها أن تزود المعارضة بمضادات للطائرات منذ أول هجوم للنظام بغاز الكلور على شعبه، ولكن أمريكا كانت حليفة للنظام بشكل غير مباشر، تصرفت بعداء للشعب السوري، بعدما تم جر الثورة السورية إلى التسلح دفاعا عن نفسها، ثم خيانتها بحرمانها من السلاح النوعي.
أمريكا ذُعرت لذعر حلفائها في المنطقة، خشية سقوط النظام، لأن سقوطه كان يعني تغير المنطقة العربية كلها بشكل جذري، وما كانت لتتوقف الثورة عند حدود درعا، فجاءت جرائم «داعش» المصورة وحرق الطيار الأردني وصور الذبح وغيرها، كان واضحا من أين وكيف أتى «داعش»؟ وما الهدف من وجوده، وهو ذبح انتفاضة الشعوب العربية بحجة محاربة الإرهاب.
إعادة النظر بالتسليح المتقدم تهدف الآن إلى خلط الأوراق من جديد، لمواصلة النزيف والمزيد من الدمار والخراب في سوريا، هو قرار فات زمانه، لن يعيد الأرواح التي حصدها طيران النظام وحليفه الروسي، ولا الدمار الذي أوقعه.
ما تريده أمريكا الآن هو أن تضمن لها قدما بعدما سيطرت روسيا وتركيا وإيران على سوريا، تريد أن تعود كلاعب أساسي لا يمكن تجاهله، ولكن هذا سيأتي على حساب دماء الشعب السوري. لقد اطمأنت روسيا على مصلحتها وثبتت قدمها في سوريا، ومثلها تركيا التي تريد تحقيق منطقة عازلة وكبح الحركة الكردية الانفصالية بالتعاون مع روسيا، أما إيران فهي طامعة بالمزيد بعد سيطرتها على العراق.
لقد اطمأنت أمريكا وإسرائيل على ضعف سوريا وجيشها واقتصادها، واطمأنت على بقاء الأسد ضعيفا في السلطة وحارسا أمينا لإسرائيل، وقامعا مثل غيره لحركة الشعب، اطمأنت بأن الربيع العربي لم ينتصر في سوريا وتوقف مدّه الذي انطلق عام 2011، وقد اختلطت الأوراق كثيرا، لن ينتقل إلى بقاع أخرى في المدى القريب، واطمأنت بأن شرخا عميقا طويل الأمد وقع بين الشيعة والسنة، فما الذي تريده أمريكا ومن ورائها اللوبي الصهيوني الآن من الإعلان عن قرار تسليح المعارضة السورية بأسلحة متقدمة.
ما تريده أمريكا الآن هو استمرار الحرب، وهي تعلم أن تسليح المعارضة الآن بمضادات للطائرات، لن يحسم الحرب لصالح المعارضة، ربما يكلف النظام وروسيا ثمنا أكبر، ولكن هذا لا يعني أن روسيا ستقبل بالهزيمة بعدما تمركز أسطولها في المياه السورية، وبعد اصطفاف مصالح تركيا معها، تركيا التي تشعر بأن أمريكا خانت مصالحها وتعتقد بتورطها في المحاولة الانقلابية ضد حزب العدالة والتنمية وبدعمها لـ»داعش». لن تكون هناك مواجهة مباشرة بين أمريكا وروسيا، ولكن سيدفع الشعب السوري الثمن، سواء كان من أنصار النظام أو المعارضة، في النهاية كلها دماء سورية.
أمريكا الآن تريد أفغنة سوريا، تريد تقوية طرف حتى يقترب من النصر، ثم تضعفه بحرمانه من السلاح وتقوية طرف آخر عليه، ببساطة شعرت بأنها هزمت بعدما أسهمت بإضعاف المعارضة إلى الحد الأدنى، وتريد خربطة الأوراق من جديد.
أمريكا لا تفهم سوى مصالحها، والشعوب ليس عندها سوى أسواق سلاح ونفط وغاز وبضائع، وهذا لا يختلف بالنسبة لروسيا التي فاخر مسؤولوها بإنجاز أسلحتهم على الأرض السورية، كذلك فإن لتركيا مصالحها كدولة وقيادة أولا وقبل أي شيء.
تفعل المعارضة السورية خطوة صحيحة إذا ما وافقت على وقف شامل لإطلاق النار، وهي الخطة التي يتبناها بوتين وأردوغان، مصالح تركيا وروسيا تلتقي بوقف إطلاق النار، ولن يستطيع النظام أن يرفض، ولا تستطيع إيران افتعال صدام مع روسيا. لقد نزف الشعب السوري كثيرا ولا نستطيع التنبؤ بما تخبئه السنين القليلة المقبلة للاجئين السوريين في مناطق لجوئهم، خصوصا مع تصاعد قوى اليمين المتطرف في أوروبا واستلام ترامب للإدارة الأمريكية، وهو الذي يعلن اصطفافه إلى جانب النظام السوري بلا مواربة.
الجراح عميقة ولن تبدأ بالالتئام إلا بزوال هذا النظام المجرم، ولكن هذا لن يحسم عسكريا. بعد تثبيت وقف إطلاق النار يفترض إطلاق عملية سياسية تفضي إلى إنهاء هذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا، ومن ثم العودة إلى تطبيع العلاقات بين أبناء الشعب السوري الواحد، إسقاط النظام ممكن، فهو ساقط أصلا، والشعب السوري الحي يستطيع إيجاد السبل والطرق الكفيلة بإعادة ثورته إلى مسارها الصحيح، وأن يضمن عدم ذهاب دماء الشهداء هباء ولن تذهب.
لا لأفغنة سوريا!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.12.2016