هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع بإغلاق مكتب «الجزيرة» في القدس، مشيراً في تصريح نشره على صفحته الخاصة في «فيسبوك»، إلى أن بعض القيود القانونية هي ما يمنعه من تنفيذ وعيده، والتزم بتغيير هذه القيود لإسكات صوت الجزيرة «المزعج».
قد يبدو هذا التصريح مألوفاً إن صدر عن مسؤول في أحد أنظمة المنطقة، التي طالبت صراحة بإغلاق «الجزيرة» ومنعتها من العمل في هذه الدول، بل وصل الأمر إلى إغلاق مواقعها الإلكترونية، لكن المستغرب أن يصدر هذا التصريح عن أكبر مسؤول في الدولة، التي تصف نفسها بـ»الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»، وأن تسعى لإسكات المؤسسة الإعلامية التي عبر الإسرائيليون من خلالها عن رأيهم.
في الأول من نوفمبر 1996، مثَّل إطلاق قناة الجزيرة بداية عصر إعلامي وسياسي جديد في منطقة الشرق الأوسط، التي لم يكن أغلب سكانها قد استمع إلى أي مسؤول إسرائيلي يتحدث إليه مباشرة. لقد غيرت الجزيرة بشكل كامل طبيعة تعامل العرب وجيرانهم مع الإعلام، وعرضت الآراء المختلفة ووجهات النظر المتباينة، سواء كان أصحاب هذه الآراء عربا أو إسرائيليين، أو من أي دولة أخرى في العالم. ومثّل هذا الأمر صدمة مزلزلة في المنطقة، بعد أن قدمت الجزيرة الأخبار بطريقة لم يعتدها سكان المنطقة، وأصبحت قناة رائدة في مجال تقديم الخبر المستقل في منطقة ظلت رهينة لعقود متواصلة للدعاية الرسمية وتمجيد الأنظمة، بل إن البعض ظن أنها قناة مدعومة من إسرائيل، لأنها تستضيف المتحدثين الإسرائيليين.
رسالة «الجزيرة» مبنية على أن المواطن المطلع على حقيقة ما يجري حوله من أحداث، قادر أكثر من غيره على فهم أصول العمل الديمقراطي، ومهيأ ليصبح عنصرا فاعلا في التنمية والتقدم. ولم تخش عرض الآراء المختلفة ووجهات النظر بشأن أي قضية تطرحها، حتى إن كانت هذه الآراء مزعجة وحدية أحياناً، لأنها في النهاية لا تمثل وجهة نظر «الجزيرة»، بل هي انعكاس لحقيقة ما يحدث في الواقع.
و»الجزيرة» أول مؤسسة إعلامية في الشرق الأوسط تنتج أعمالا استقصائية وتحقيقات صحافية مهنية، فازت بجوائز عالمية مرموقة منها جائزة «إيمي»، وركزت على كشف الفساد في المنطقة والعالم.
وتعرُض «الجزيرة» للهجوم واستهداف صحافييها ومراسليها ليس أمراً جديداً، فقد دفعت ثمنا باهظا مقابل حرصها على الالتزام بنقل الخبر الصادق والموثوق، واستشهد عدد من موظفيها، وتعرض بعضهم للسجن والتعذيب، وقصفت مكاتبها في بغداد وكابل، وقرصنت مواقعها الإلكترونية وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. واليوم، تعاقبها دول عربية على بث وجهات نظر تتعارض مع رؤيتها الرسمية وخطابها السياسي. وكان من بين مطالبها أن تقوم دولة قطر بإيقاف بث «الجزيرة» وإغلاقها، وهو ما سيمثل إن حدث خسارة كارثية للإعلام والصحافة الحرة، وللملايين من المهمشين المنسيين في المنطقة، وسيمثل غياب الجزيرة فراغا هائلا سيكون عبئا على كل سكان المنطقة. إن تواطؤ نتنياهو مع أنظمة عربية يثير الريبة في أن التعدي على الصحافة الحرة يمكن أن يعتبر موضوعا قابلا للنقاش للوصول إلى أهداف أكبر، فما الفرق إذن بين الديمقراطية الإسرائيلية وهذه الديكتاتوريات؟
إن السعي وراء كشف الحقيقة ليس أمرا محببا من قبل البعض، لكنه عنصر محوري في حياة الشعوب الحرة المستنيرة، التي تعلم أن من يملك الحقيقة لا يخاف. وعدد مشاهدي «الجزيرة» ومتابعيها الكبير، في المنطقة والعالم، دليل يثبت سعي الشعوب إلى إيصال أصواتهم وآرائهم عبرها، ويتابعونها لأنهم يعلمون أنها ناقل صادق للخبر، وربما لهذا يحاربها «دعاة الظلام» ويسعون لإطفاء الشمعة الوحيدة التي تنير عتمة المنطقة.
لماذا يستهدفون «الجزيرة»؟!
بقلم : وليد العمري ... 01.08.2017
مدير مكتب «الجزيرة» في القدس.. المصدر: القدس العربي