صدر الوعد المشئوم عن وزير خارجية بريطانيا يوم 2 نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1917، وهو موجه من بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى الثري اليهودي الصهيوني (روتشلد).
لم يكن الوعد الذي يمنح فلسطين لتكون وطنا قوميا ( لليهود) مجرّد اجتهاد شخصي من وزير خارجية بريطانيا، ولكنه كان مصلحة بريطانية التقت مع طموحات ومخططات الصهيونية للسيطرة على فلسطين، لموقعها الجغرافي الاستراتيجي بالنسبة لبريطانيا التي كانت مهيمنة على مصر،وعلى الهند – درة التاج البريطاني- والتي كانت تريد ضمان الهيمنة على الطريق إلى الهند، وعلى طريق التجارة العالمية، وتكريس تمزيق الوطن العربي.( لا ننسى اتفاقية سايكس- بيكو)
بريطانيا الدولة الاستعمارية المتوحشة، والتي خرجت من جزيرتها وافترست كثيرا من بلدان العالم، هي التي وضعت حجر الأساس لنشوء الكيان الصهيوني، أي لنكبة عرب فلسطين، ورسّخت مخططها الجهنمي بانتزاع قرار الانتداب على فلسطين من عصبة الأمم.
منذ اقتحمت قوات بريطانيا أرض فلسطين انتقلت بريطانيا من الوعد والمخطط إلى التنفيذ العملي، وبدأت بتنفيذ تدمير الزراعة والصناعة والمجتمع العربي في فلسطين بالترافق مع تسريب ألوف اليهود من كل أنحاء العالم، ومنحهم أراض فلسطينية كانت ممتلكات للدولة منذ الهيمنة العثمانية.
كل المآسي التي عاشها عرب فلسطين منذ ذلك الوعد المشئوم العنصري تسببت بها بريطانيا، وما فعلته أمريكا من بعد – وهي ابنة بريطانيا ووارثة نهجها الاستعماري الإمبريالي الإمبراطوري- هو امتداد، ومشاركة في الجريمة المستمرة حتى أيامنا هذه ، وحتى المستقبل الذي سيوضع فيه حد للجريمة بتحرير فلسطين ومعاقبة بريطانيا وأمريكا وكل الدول الاستعمارية التي ساهمت في جريمة زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.
إذا كان عرب فلسطين، ومعهم كل العرب المؤمنين بعروبة فلسطين، وبأن الصراع هو صراع عربي صهيوني، يتوقفون في يوم 2 تشرين الثاني أمام ذلك الوعد المشئوم، فإن هذا لا يعني نسيان الجريمة البريطانية في أي يوم من أيام السنة، ومن كل الأيام التي مرّت على عرب فلسطين،أو ستمر، وهم تحت الاحتلال، أو مشردون في المنافي..فالجريمة ماثلة بعذاب الشعب العربي الفلسطيني وشقائه، وسيل الدم الذي نزفه على امتداد مائة عام مفتوحة على أعوام صراع سيمتد حتى التحرير التام لكل فلسطين.
إذا كان شعبنا العربي الفلسطيني مستيقظ الذاكرة، ومرهف الوعي، فإن القيادات الفلسطينية المتنفذة تنافق على الحق الفلسطيني (بمجاملة) بريطانيا، وبانعدام التعبئة ضدها، والتقاعس عن مطالبتها،جديا، بالاعتذار عن الوعد، وعن الانتداب، وعن جرائم دعمها للصهاينة وتمكينهم من بسط احتلالهم على فلسطين، بما يترتب على الاعتذار من تبعات يجب أن تتحملها بريطانيا المجرمة.
لقد بلغ التهاون بالقيادة الفلسطينية أنها ارتضت أن يكون رئيس اللجنة الرباعية الدولية المجرم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، أي أن يكون (حكما) بين الفلسطينيين والاحتلال الصهيوني..فهل هناك تخاذل واستهتار وتنازل أفدح من ذلك؟!
عقلية التشاطر، والفهلوة، وقصر النظر، واسترضاء أعداء الشعب الفلسطيني الذين هم أسباب نكبته أدت إلى ( أوسلو) وما جره أوسلو من آلام على شعبنا، وأضرار بقضيتنا، وبوعي مُزيّف أفشي بين أبناء الأجيال الطالعة!
إن شعبا تتهرب قيادته من تحديد العدو والفصل بينه وبين الصديق، ستلحق بقضيته وبنضاله وبمقاومته أفدح الأضرار، سيما في الوعي الذي هو السلاح الأمضى في المواجهة مع أعدائه.
لسنا نستذكر وعد بلفور في يوم 2 تشرين ثاني وندير ظهورنا ونمضي، لا، بل نقف أمام مسيرة جرائم الإمبراطورية البريطانية، وسنظل نلاحقها حتى تنصاع وتعتذر، وتتحمل تبعات أبشع جريمة بحق شعبنا العربي الفلسطيني، وهي الجريمة الأبشع والأكثر ظلما في التاريخ المعاصر للبشرية.
بلفور المجرم هو المعبّر عن عقلية الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية..وبريطانيا هي عدونا الذي أسس لنكبتنا، ومسلسل الآم ومعاناة شعبنا، وهي سادرة في غيّها، فها هي تيريزا مي، رئيسة وزراء بريطانيا تعلن أنها ستحتفل مع الكيان الصهيوني بذكرى وعد بلفور.
بريطانيا مجرمة، وبلفور هو عنوان جريمتها، وإن كانت ليست وحدها من كرّس الجريمة في فلسطين، وبحق عرب فلسطين، فأمريكا هي ( وارثة) الدور البريطاني، وهي التي تجعل من الكيان الصهيوني بأهمية ولاية أمريكية وأكثر!!
وعد بلفور: جريمة بريطانيا المستمرة!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 01.11.2017