اختفت سيدة يهودية في منتصف عقدها السادس قبل ثلاثة أسابيع، وبحثت الشرطة مع أقربائها ومتطوعين في الحقول القريبة من البيت، وفي الطريق إلى مكان عملها اليومي، بدون نتيجة، إلى أن اكتُشف جثمانُها قبل يومين، وتبيّن أنها قُتلت ودُفنت في حديقة بيتها تحت شجرتي تفاح ومانجو.
ما لفت انتباه الشرطة والعائلة، أن صديقا لهذه السيدة المفقودة، استمر بتهذيب حديقتها وزرع الورود فيها وسقايتها و»تسوية تربتها الرملية»، رغم اختفاء صديقته صاحبة البيت، كأن شيئا لم يحدث، برود أعصابه في العمل «التطوعي» حول البيت، أثار الشكوك، وجرى اعتقاله، وتبيّن أن الجريمة وقعت على خلفية خلاف مالي، لها علاقة بهذا الصديق، ولم تُذكر تفاصيل الخلاف، لأجل استمرار التحقيق. هذا الحادث ذكّرني بحادثة مشابهة قبل عقدين، إذ اقترض أحدهم وهو ضابط احتياط في الجيش بضعة آلاف من الدولارات من صديق له، وعندما ألحّ الدائن مطالبا بنقوده، دعاه صديقه الضابط إلى فنجان قهوة في بيته، وكما يبدو كان قد جهّز حفرة في الحديقة الخلفية لبيته، حيث الأرض ساحلية رملية وسهلة الحفر، نوّمه بحبة مع فنجان القهوة، ثم ألقى به في الحفرة، ودفنه متخلصاً من الصداقة ومن الدَيْن. إلا أن الدائن كان قد أخبر زوجته قبيل خروجه من البيت، بأنه ذاهب إلى صديقه الضابط لجباية الدين منه، الأمر الذي كان طرف خيط في كشف الجريمة.
حوادث قتل «الأصدقاء الأعزاء» على خلفية مالية، أو على خلاف في أمور تافهة ليس نادراً، ولكن عادة ما يجري القتل فجأة، في لحظة غضب، يرافقه فقدان للسيطرة على الأعصاب، وهذا يُفسّرُ على أنه نوبة من الجنون ابنة لحظتها ، أما الدعوة إلى فنجان قهوة ثم التنويم والدفن في حفرة معدة مسبقا في الحديقة، أو التقطيع والتوزيع في أكياس نايلون سوداء، وإلقاء الصديق في حاوية قمامة، فهو أمر مختلف، ويشير إلى الإجرام والانحطاط الذي ممكن أن يصله بعض أصناف البشر لأجل المال، أو لأجل مصلحة أنانية ما.
هذا الانحطاط الأخلاقي، ينطبق على السياسة الدولية، أمريكا تزعم أنها صديقة لمعظم الأنظمة العربية، في الوقت الذي تحفر فيه الحفر للشعوب العربية، فهي تعمل على تأبيد حالتها كشعوب مضطهدة مسلوبة الإرادة، وتدعم الأنظمة الأكثر قذارة وتخلفا في تاريخ الأمم، في الوقت الذي تدّعي فيه بأنها سيّدة العالم الحر، وبأنها حريصة على قيم الحرية والعدالة لدرجة القداسة، ولكنها لا تسمح لهذه الحرية بأن تطأ أرض العرب، وتبذل جهوداً هائلة لمنع وصولها، وإذا حاولت هذه الحرية أن تصل بقواها الذاتية أغرقتها بالدم والمؤامرات مع أصدقائها، كي تبقي الشعوب تحت سيطرة أنظمة مسلوبة الإرادة وقابلة للابتزاز، وروحها معلقة بقرار أمريكي- صهيوني، وليس بشعوبها، ناهيك عن موقفها الداعم للاحتلال الصهيوني اللامشروط، الذي يدمّر شعباً ويحبسه ويحرمه من حريته، بل يشرّده في بلاده وخارجها. من ناحية أخرى، تدّعي روسيا صداقة العرب، ولكنها عملت وما زالت تعمل بوحشية لا تقل عن وحشية أمريكا، لحرمان الشعب السوري من حرّيته، وهذا حدث ويحدث بذريعة مدّ يد العون للنظام «الشرعي» في سوريا وبطلب رسمي منه. إلا أن بوتين المتمسك بالشّرعية والقوانين الدولية – من ذيلها- هو نفسه الذي يلتقي مع نتنياهو زعيم دولة احتلال فاشي، لا تقيم وزنا لأي شرعية دولية منذ تأسيسها حتى يومنا، بل التقى فيه عشر مرات خلال عامين، وهو عدد لقاءات، أكثر من أي لقاءات بين أي رئيسين في العالم، والأهم أنه دعاه للمشاركة في احتفالية اختتام مباريات كأس العالم، وكان قد دعاه في مايو/أيار الأخير، كضيف شرف على شرف احتفالات النصر على النازية، وهذا يؤكد عمق العلاقة والتنسيق والتفاهم بينهما، إلى أبعد ما يظهر على السطح، الذي محوره حرمان الشعب السوري من حريته، والتمسّك بالنظام الأسدي الإجرامي، الذي عمل بالمشاركة مع الروس على دفن مئات الآلاف من السوريين تحت أنقاض بيوتهم، بل دافع بوتين عن النظام، وساعده بتمويه جرائمه في استخدام الكيماوي المحرّم دوليا.
بوتين يعرف أن نتنياهو يمثل دولة تحتل أراضي الغير بالقوة، فكيف تستوي محاربة الشعب السوري بحجة دعم الشرعية، في الوقت الذي يقيم فيه علاقة حميمة مع زعيم دولة لا تعترف بأي شرعية منذ تأسيسها، وتقوم في هذه الأيام بالذات بجريمة طرد جماعية بالعنف لسكان قرية الخان الأحمر في الضفة الغربية، وهي واحدة من سلسلة جرائم تشريد مستمرة للفلسطينيين لم تتوقف منذ سبعة عقود! ثم كيف يدعي الشرعية بينما يتفاوض مع صديقه نتنياهو على المسافة التي يجب أن يبتعد فيها جيش النظام وحلفائه عن حدود وقف إطلاق النار في الجولان، وهي أرض محتلة، ضُمت بالقوة إلى دولة الاحتلال! فالمفروض أن يطالب صديقه نتنياهو بالانسحاب منها وليس العكس، أين موقفه هو وشريكه الأسد من الشرعية في هذه الحالة؟
ترامب ومن سبقه وقفا مكتوفيّ الأيدي إزاء تدمير الشعب السوري وحرقه وتسميمه وتهجيره، كذلك لم يتدخلا بما يجري في اليمن، إلا لأجل استمرار الصراع، بهدف استنزاف قوى وطاقات إيران والشعب اليمني، وكي تبقى السعودية والإمارات بقرات حلوبات، فلا همّ لأمريكا في المنطقة العربية سوى ابتزاز المال، وإضعاف شعوب المنطقة وإبقاء التفوق الصهيوني الحليف الاستراتيجي.
بوتين يحتفي بالفاشي نتنياهو، ويمنحه شرعية في احتلاله، في الوقت الذي تدعو منظمات دولية كثيرة لمقاطعته، وكذلك يدعم حليفه بشار الأسد، ويشاركه في البطش بالشعب السوري باسم الشرعية، أمريكا وروسيا تمارسان ابتزازا وجريمة مستمرين ضد شعوب المنطقة العربية، باسم الصداقة والمصالح المشتركة، وصداقتهما للشعوب العربية لا تختلف عن صداقة أولئك الذين يقتلون ويدفنون أصدقاءهم مع سبق الإصرار والترصّد.
دفن الأصدقاء في حديقة المنزل !!
بقلم : سهيل كيوان ... 12.07.2018