يبدو أن ما يسمى علماء الأمة الإسلامية مساكين، مثلهم مثل المواطن البسيط في هذه الأمة، وسوف يبقون كذلك، طالما بقيت الأنظمة التي ترى في الدين مطية لخدمة سلطتها وأهوائها، وهذا لن ينتهي في الأفق القريب.
فما يسمى «العالِم»، يعلم جيّدا، متى يكون مرْضِيًا عنه وعن فتاواه، فينتقيها بعناية، ولكنه لا يعرف متى ينقلب الحاكم ويصدر أمراً باعتقاله ويؤلّب عليه زملاءه في فتاوى أخرى، فيصبح فاسقاً داعماً للإرهاب، بعد طهارة ونقاء، ويجب إعدامه أو سجنه الطويل، ليكون عبرة لمن يعتبر.
عالم الدين ليس حُرّا في قراراته ولا فتاواه، ولا حتى برؤية هلال رمضان أو هلال عيد الفطر السعيد، فإذا جاءه الأمر بأن لا يرى هلال رمضان لن يراه حتى لو رآه مليار مسلم، وكم من السنين صام مسلمون وأفطر آخرون، وكم عيّد مسلمون وواصل صيامهم آخرون، كم أفطرت ليبيا وإيران وصامت مصر والسعودية، وكم عيّد أندونيسيون وخليجيون وصام جزائريون وعراقيون في اليوم نفسه! وكم احتارت فلسطين هل تصوم أم تفطر وتعيّد! ومن عليها أن ترضي ومن تُغضب ممن يدفعون لها، وممن تلجأ إليهم، حتى أن بعض قرانا وبلداتنا انقسمت في بعض الأحيان، فصام البعض في ما اعتبروه تتمّة شهر رمضان، وعيّد البعض في ما اعتبروه أول أيام شوال وعيد الفطر السعيد، وكم قلت لأحدهم كل عام وأنت بخير، فرد عليك، أنا صائم مع هذا القطر أو العربي أو ذاك.
كان على العالِم المسكين أن يفتي بتحريم قيادة المرأة للسيارة، ثم صار على المسكين أن ينقلب على نفسه، ويفتي بأن قيادتها للسيارة حلال. كان عليه أن يفتي بالحرب والجهاد لرفع الظلم عن المسلمين في هذا القطر أو ذاك، ثم صار عليه أن يفتي بالسلام والمحبة والألفة والوفاق مع أولئك الذين أفتى بمحاربتهم.
العالِم في هذا مثله مثل شاعر وكاتب وصحافي ومطرب البلاط، ومن يجرّب أن يكون غير ذلك، فقد يتعرض لعقوبة الوقوف في زاوية غرفة الصّف، مثل طالب في الثاني ابتدائي، ثم لن يعلم أحدٌ أين حملوه وأخفوه، ولا كيف عاملوه، وما هي التهمة الخطيرة التي ضبطوه وهو متلبس فيها.
إذن، فبين كونك عالما نقيا تقيا، وكونك إرهابيا، لا تفصل سوى بضع كلمات تكتبها على الفيسبوك أو تويتر، وقد تكون علامة تعجب أو سؤال وليس أكثر، فإذا بعالمك ينقلب على رأسك، وتجد نفسك عاريا في مواجهة إعصار، وتنقل من نعيم القصور إلى جحيم السجون أو ظلمة القبور، ومن تبجيل واحترام إلى تحقير وتقزيم، ومن ضيافات واحترامات إلى ركلات وصفعات، وتصبح مدسوسا نجسا ومخرّبا، بعدما كنت طاهرا ورعا، من بناة أخلاق هذه الأمة.
العالِم العربي المسلم المسكين، قد يفتي لصالح التقارب مع الشيوعية اللينينية والماوية والتروتسكية والبوتينية والاشتراكية الدولية، فيوفقها مع الوهابية أو البعثية أو الناصرية أو القذّافية والبشيرية والهاشمية والبوتفليقية والحسينية بألوانها وأنواعها وأطيافها، والخمينية والترامبية والنتنياهوية والبيرسية والشارونية، وقد ينقلب فجأة فيكفّر وينفّر ويحرّض ضد من كان قبل مساء وليا حميمًا من الصالحين. إلا أنها عادة ما تنقلب الأنظمة الشمولية على علمائها، وتعاملهم كرهائن لديها، إلى أن يهرب بعضهم إذا استطاع إلى دول الكفّار سبيلا، ربما يستطيع منها أن يتنفس بحقيقة ما، على الأقل كما يراها من وجهة نظره.
العار ليس فقط على النظام السعودي، بل على أصدقائه مما يسمى دول العالم الحر، في أمريكا وأوروبا، أن يصمتوا أمام احتمال الحكم بإعدام أو السجن الطويل الأمد لبعض الدعاة والشيوخ، لأنهم انتقدوا النظام، أو ربما لم ينتقدوه، ولكن لمجرد رفضهم الانصياع لتوجيهاته، فآثروا الصمت أو قالوا كلمات بسيطة لم ترضِ السلطان.
بلا شك أن هناك حالات سبقت حالة الداعية سلمان العودة وزملائه، قتل فيها رجال دين وسياسيون ظلما، ليس فقط في السعودية، بل في سجون أنظمة أخرى عربية (وهذا يشمل إيران)، الصمت عار، وتحية لكندا التي لم تنصع للضغوطات السعودية، وتمسّكت بموقفها الداعم لسجناء الرأي في السعودية، وتحية لكل من يرفع صوته ويطالب بالحرية والإنصاف لأمثال هؤلاء المعتقلين، ليس فقط في السعودية، بل في كل العالم العربي. الهيئات الدولية وعلى رأسها أمريكا صاحبة النفوذ الأكبر، مطالبة بأن تعمل على إنقاذ سجناء الرأي من بطش نظام يعيش خارج التاريخ.
هذا الواقع الثقيل بالنسبة لمن نسميهم «العلماء»، يقول بأن فتاواهم السياسية بشكل عام ليست صالحة، وغير ثابتة، ومتقلبة أحيانا حول الموضوع نفسه، إذ أنها تُتخذ تحت وطأة الخوف وإرهاب السلطة، ولهذا يجب وضع علماء الدين وفتاواهم السياسية في الوطن العربي جانبا، كما تعامل قصائد مديح هذا الحاكم أو ذاك، إلا إذا كانت صرخة في وجه سلطان جائر، يعرف صاحبها ومستعد لأن يدفع ثمنها الباهظ.
علماء الأمة المساكين!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.09.2018