ارتفعت شعبية الرئيس الأمريكي في الفترة الأخيرة بنسبة غير مسبوقة منذ انتخابه، حيث بلغت 46% بحسب استطلاع أجراه معهد غالوب في إبريل/نيسان الأخير، ومصدر هذه الشعبية المتصاعدة لترامب، هو ما بدا للجمهور على أنه انتصارات اقتصادية كبيرة، إلى جانب عدم وجود إثباتات تؤكد تواطؤ حملته الانتخابية عام 2016 مع جهات روسية. هذا جعله بأعين الكثير من الأمريكيين ضحية لدعاية موجهة ضده، ومن ناحية أخرى وهي الأهم، إجراءاته الاقتصادية التي مرّر الجانب الأول منها بسهولة وسلاسة، وهو المتعلق بابتزاز دول عربية، ثم إجراءاته الضريبية على البضائع الصينية.
إلا أنه «مش كل الطير اللي يتاكل لحمه»، فقد أعلنت الصين قبل يومين رفع الضرائب على واردات بضائع أمريكية قيمتها 60 مليار دولار، ردّا على رفسات ترامب بفرض ضرائب على منتجات صينية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، بنسبة تتراوح بين 10% إلى 25%. المتضرر الأكبر من الرد الصيني هو الإنتاج الزراعي الأمريكي، هذا يعني توجيه صفعة إلى جمهور ترامب وقاعدته الشعبية الأساسية، وقد ردّ ممثلو الفلاحين من منتجي فول الصويا والذرة والقمح في رسالة وجّهوها إلى ترامب قبل يومين، معربين فيها عن استيائهم وقلقهم من نتيجة هجمته على الصين، فالرّد الصيني سيؤدي إلى رفع أسعار منتجاتهم بالنسبة للمستورد الصيني، خصوصا فول الصويا الذي تعتبر الصين أكبر مستورد له، علماً أن الصين لن تتوقف عند هذا الحد إذا ما استمر ترامب في التصعيد في فرض الضرائب كما وعد. المواجهة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة تتراوح بين هجمات وهجمات مرتدة، تجري بسلاسة بين الطرفين تارة، وتارة باحتقان وضغط على الأسنان، ولكنها تبقى ضمن المنافسة الاقتصادية، لن يحسمها ترامب لصالحه، والعكس صحيح، فقد يخرج خاسراً من المواجهة التي تنقل الصراع إلى حلبته الداخلية، وبالذات إلى قاعدته الأساسية من الفلاحين.
عرقلة ضخ النفط لا تحتاج جيوشا عملاقة، بل بعض الوحدات الصغيرة من الغطاسين أو الطائرات المسيّرة التي لا تحتاج مطارات
على الحلبة الثانية يواجه ترامب إيران، ويتفنن في إيذائها ورفسها بوسائل مختلفة، وبلا شك أن القيادة الإيرانية الروحية والسياسية، تعيش صراعاً داخلياً حول الطريقة التي يجب أن يكون الرد فيها على الإجراءات الأمريكية الجديدة التي وقعها ترامب على منتجات أخرى، إضافة إلى النفط الإيراني كالمعادن، وبما أن الرد من خلال الضغط الاقتصادي على الطريقة الصينية غير متوفر، فإن هناك محاولات للرد من نوع آخر. جاء هذا من خلال الطائرات المسيّرة التي استخدمها الحوثيون في ضرب منشآت نفطية سعودية، وهذا بدوره يدفع إلى الشك بقوة، حول الجهة التي تقف وراء تفجيرات سفن النقل في ميناء الفجيرة، التي كما يبدو تهدف إلى تشغيل ورقة ضغط على مختلف دول العالم، وإخبارها بأن إيران لن تدفع لوحدها ثمن سياسة ترامب، بل إن هناك آخرين سوف يدفعون الثمن، وهو تحذير وتلويح بالقدرة على شلّ حركة الصادرات النفطية في المنطقة، وأن هذا لا يحتاج إلى أساطيل كبيرة، وأن عمليات قد يقوم بها أفراد قلائل ممكن أن تعقّد وضع البترول العالمي، وقد حرصت إيران على توصيل رسالة واضحة مقصودة بأنها وراء هذه العمليات، أو بعض أنصارها أو أذرعها العسكرية، من خلال توقيت عملية الحوثيين التي جاءت بعد التفجيرات في ميناء الفجيرة بأيام قليلة.
القيادة الإيرانية تعتبر أن الحرب على إيران قد بدأت في الواقع، فالحصار بهذه الصورة ومنعها من توريد ثرواتها هي حالة إعلان حرب، ومهما حاول ترامب وإدارته الادعاء بأنهم غير معنيين بالحرب. قيل قديما إن الحرب هي الصورة المكثفة للاقتصاد، والعكس صحيح أيضاً، فالحصار الاقتصادي هو صورة من صور الحرب. يحاول الإيرانيون تنبيه العالم إلى ما سيكون عليه الوضع إذا ما جرى تسخين أكثر للجبهات، حيث أن عرقلة ضخ النفط لا تحتاج إلى جيوش عملاقة، بل إلى بعض الوحدات الصغيرة من الغطاسين أو الطائرات المسيّرة التي لا تحتاج إلى مطارات. التفجيرات لا تهدف إلى إشعال الحرب مع أمريكا، فهذا ما لا تريده القيادة الإيرانية بالفعل، لأن نتائجه ستكون وخيمة في كل الحالات، ولكنها في الوقت ذاته لا تستطيع تقبل الوضع الجديد بيدين مكتوفتين، بهذا تحاول التنبيه والضغط على الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015، وغيرها من الدول النافذة، بأن تتدخل لتدارك الأمر قبل انفجاره الأقوى، الذي سيجلب كارثة على المنطقة، وستكون له إسقاطاته على اقتصادات العالم كله.
لكن في الوقت ذاته، ألن تكون هذه التفجيرات والهجمات ذريعة تنتظرها الولايات المتحدة وبعض حلفائها لتوسيع دائرة الضغط على إيران للوصول إلى الهدف الأساسي الذي يسعى ترامب لتحقيقه مع نتنياهو وغيره من حلفائه في المنطقة، وهو شل قدرات إيران الصاروخية والنووية بشكل تام، كما سبق أن حدث للعراق حتى ولو من خلال حرب على حساب شعوب المنطقة؟
رفسات متبادلة !!
بقلم : سهيل كيوان ... 16.05.2019