..هذا هو السؤال المفترض أن نطرحه، نحن الفلسطينيين، على أنفسنا، وقد استمعنا لقياديين في ( السلطتين)، يعلنون رفض ما يسمّى ب( صفقة العصر)، وأيضا إدانة ورفض ( ورشة) المنامة الاقتصادي، والتحذير منها، بل وحض وتحريض الدول العربيّة على عدم المشاركة في أعمالها!
لا بأس! هذا ما ردده فلسطينيون كثيرون، وأثنوا عليه، ولكن هذا لم يمنع من طرح أسئلة ملّحة: ما دمتم ترفضون ( صفقة العصر)- أو القرن- وتحذّرون منها، وترددون صباح مساء أنه لن يوجد فلسطيني واحد يقبل بها، وما دمتم ترونها خطرا داهما على القضية الفلسطينية، ومستقبل الأرض والشعب الفلسطيني، وأنها في حال تحققت، فإنها تنهي أي أمل بدولة فلسطينية، فما الذي يمنعكم من ( توحيد) جهودكم لمواجهة هذا الخطر المصيري الوجودي، لأنه بغير( وحدة) الموقف والطاقات معا لكل شعبنا ، داخل فلسطين الواحدة، وفي الشتات، لا يمكن إلحاق الهزيمة بهذا المخطط الهادف لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، والذي يقوده صهاينة أميركا ويتساوق معه ( متصهينون) عربا!
حتى وتصريحات قيادات السلطتين، وناطقيها الرسميين، تلعلع يوميا، وكأنها تتنافس في المزاودة على بعضها، فإن تقاربا حقيقيا بين السلطتين لم يتحقق، ورغم المخاطر الجديّة، والتي تقطع أشواطا: نقل سفارة أمريكا إلى القدس، التطبيع العلني بين رؤوس أنظمة عربية ( خليجية) وغير خليجية – آخرها زيارة وفد ( إسرائيلي) إلى تونس استقبله وزير سياحة تونس اليهودي..بينما الوفد يغني لجيش الدفاع والوزير مبتهج جدا- ودون ردود فعل من ( حركة النهضة) الإسلامية الإخونجية ذات الثقل في الحكم !! ( أهذا تسامح ديني، أم سباق على نيل الرضى الأمريكي الإسرائيلي؟!
العامل الذاتي، في كل ثورات العالم، كان العامل الأساس في الانتصار، وفي حالتنا الفلسطينية العامل الذاتي بات عامل ضعف، وثغرة تعبر منها كل مخططات أعداء فلسطين، ومع ذلك فالطرفان المتصارعان يواصلان كيدهما ببعضهما، دون أن يأبها بما يلحقانه من خسارات بقضيتنا الفلسطينية.
حتى يوضع حل نهائي لحالة الانقسام بين سلطتي رام الله وغزّة، لا بد من أن تتخذ السلطتان الخطوات الجدية للعبور باتجاه إنجاز الوحدة الوطنية:
أولاً : أن تعلن سلطة رام الله ( أوسلو) سحب الاعتراف – وهو غير شرعي ، وتمّ من وراء ظهر الشعب الفلسطيني ، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية- بدولة الكيان الصهيوني نهائيا، وبدون غمغمة، فالتعليق مرفوض، وهو تحايل لن يرضى به شعبنا، ولن يمثّل منظمة التحرير الفلسطينية التي تمّ انتحال صفتها.
ثانيا: إنهاء العلاقات الأمنيّة – التنسيق مع أجهزة الاحتلال، والتوقف عن 0 تزويدها بالمعلومات عن المقاومين الفلسطينيين، وعن النشطاء الفلسطينيين...
ثالثا: التوقف عن استتباع الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد ( الإسرائيلي)، وعدم استيراد أي بضائع من الاحتلال نهائيا- مقاطعة على كافة الصعد- والاستغناء عن كل بضائع العدو، ولشعبنا من الوطنية والكبرياء ما يمكنه من التحمل والاستغناء عن كل ما يأتي من صناعات وبضائع الاحتلال وكل ما ( يدلق) في ( جوف) شعبنا..وبخاصة أطفالنا من بضائع فاسدة وضارّة، وعائداتها تتحول إلى سلاح يوجه إلى صدورنا.
رابعا: الحسم في مواجهة الفساد، ووضع من هو مناسب في المكان المناسب، والكف عن العصبوية والنبذ والإقصاء.
أمّا سلطة حماس المهيمنة على قطاع غزة منذ 15 حزيران 2007 بقوّة السلاح والبطش فعليها ما يلي:
أولاً: إنهاء هيمنتها فعلاً، وتشكيل ( قيادة ) وطنية واحدة لإدارة كل جوانب الحياة في القطاع، من كل الفصائل، ومن شخصيات وطنية محترمة، ومن نساء ورجال من المجتمع المدني.
ثانيا: إنهاء هيمنة أجهزة حماس الأمنية، وكف قبضتها عن أعناق ألفلسطينيين في القطاع، وتشكي جهاز أمن واحد، والاحتكام للقضاء المدني وسيادة القانون...
ثالثا: مالية موحدة في القطاع بإشراف لجنة مالية واحدة تشرف على تحصيل الضرائب وإنفاقها على كافة جوانب حياة أهلنا في القطاع.
هذه الخطوات ضرورية للانتقال من حالة الصراع والإنقسام إلى الوحدة الوطنية المبنية على برنامج وطني شامل جوهره المقاومة، يوّحد( كل) طاقات وقدرات شعبنا، بما يمكننا من الانتقال من الذاتي إلى الموضوعي.. إلى ملايين العرب المؤمنين بعروبة فلسطين، والرافضين لتبعية حكّام التطبيع وخيانة فلسطين، ومن ثم: العودة إلى العالم بقوّة رافعين قضية فلسطين عاليا، مشكلين سدّا منيعا في وجه ( صفقة العصر) الأمريكية الصهيونية..وفي وجوه التطبيعيين التابعين المتصهينين في بلاد العرب...
هل هذا ممكن؟!
هل يمكن أن يفكر رؤوس السلطتين بهذه المقترحات العملية لو توفّرت النوايا وصدقت؟!
لدي جواب، ولكن في المقال القادم.
أم إن سلطة رام الله لن تفكّر بالتخلي عن ( سلطتها) الموهومة..وسلطة حماس وهيمنتها على قطاع غزّة لن تتخلّى عن سلطة اغتصبتها بقوّة السلاح، رغم معاناة أهلنا في القطاع؟!
هل كنّا نتوقع أقلّ من هذا الموقف من ( السلطتين)؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 12.06.2019