تتنامى يوماً بعد يوم مشاعر سخط وغضب وغيظ عارمة، ليس في تلك المناطق التي صارت أثراً بعد عين جراء القصف البراميلي الوحشي عليها، بل في معاقل ومدن «الموالاة» أو ما يعرفون بالشبيحة، تحديداً، و«أهل الساحل»، وهم الذين وقفوا مع الغلام القاصر في قمع ثورة الشعب السوري على الظلم والفساد والديكتاتورية والقهر والجور والاستبداد، ولا تقلّ تلك المشاعر، وكما يظهر ويلوح وينقل ويستشف من حتى من صفحات «الشبيحة» أنفسهم، غضباً وسخطاً عن تلك التي حملها وصرخ بها «الثوار» في يوم من الأيام.
وتظهر في هذه الآونة، مؤشرات لا تخطئ على أن زلزالاً سياسياً مدمراً سيضرب قريباً المناطق التي طالما تباهى النظام وأبواقه، مطولاً، بأنها واحة أمان والحاضنة والموئل والملاذ له، التي احتمى فيها، من ثورة الشعب السوري ضده، وما الإجراءات الأخيرة، وكما يرى كثيرون، التي يقوم بها الغلام القاصر ، رئيس فرع عصابة آل الأسد المركزية بالشام، ضد من يصفونهم بالفاسدين واللصوص والحيتان والضباع الكبار الذين نموا وترعرعوا في حضنه وبرعايته، والذين كانوا حتى وقت قريب واجهاته المالية وأذرعه الاقتصادية الأخطبوطية الضاربة، إلا محاولة منه لامتصاص ذاك الغضب والسخط الكامن والتقليل ما أمكن من تداعياته، حتى وإن كان آخرون يرون بأنها مجرد عملية سطو أخرى، تعكس طبيعة الجشع وروح النهم اللا متناهي للمال عند هذه المافيات والتي يقوم بها لـ»التكويش» على مليارات هؤلاء الضباع بتوجيهات وإيعاز وإشراف مباشر من عصابة آل الأخرس وتحديداً زوجته أسماء، التي نقلت، وانتقلت معظم ممتلكات عصابة آل مخلوف، لحسابها الخاص، وصارت تحت إمرتها وإدارتها مباشرة، ويدللون على ذلك بأن أياً من أفراد عصابة آل الأخرس لم تطله تلك الإجراءات، وهم السباقون في السلب والنهب ومراكمة المليارات منذ دخولهم، مع ليلة الدخلة، بلاط المهرج القاصر الغلام.
فعندما كان السوريون الذين انتفضوا في وجه النظام الفاشي قبل ثمان سنوات يطالبون بقليل من أوكسجين الحرية والكرامة وتوزيع الثروة ولقمة خبز نظيفة وإعادة سوريا لأهلها بعد أن اغتصبها لعقود وعقود اللصوص وحيتان المخابرات والجيش وضباع النظام الذين التهموا الأخضر واليابس ولم يتركوا للسوري البسيط سوى فتات الفتات، كان الموالون للنظام وعلى رأسهم الشبيحة والنبيحة يتهمون المتظاهرين والمنتفضين بأنهم ثلة من الخونة والعملاء والمدسوسين الذين استأجرتهم إسرائيل وأمريكا والخليج بسندويشات فلافل وعلب كولا كي يشاركوا في المظاهرات ضد النظام. لم يعترف الشبيحة بأية مطالب مشروعة ومحقة للذين رفعوا أصواتهم، واعتبروهم مجرد ثلة من المتآمرين المندسين المسلحين. لم يترك النظام وأبواقه وشبيحته ونبيحته شتيمة إلا ووجهوها للمنتفضين واتهموهم بالتآمر على سوريا ونظامها حتى اكتووا بذات النار وكرعوا من ذات السم الزؤام.
واليوم، وبعد ثمان سنوات على الثورة، وبعد أن ذاب ثلج «الثورة» وبان مرج «النظام»، وبعد أن بردت الجروح، بدأ الموالون للنظام قبل غيرهم يستشعرون بألمها الشديد. أخيراً استفاقوا على الكارثة التي حلت بالسوريين جميعاً على أيدي هذا النظام الفاشي الأرعن الطائش الموتور الذي دعموه. راحت السكرة وجاءت الفكرة؟ وبدأ الشبيحة يتساءلون: ماذا استفدنا من التشبيح للأسد، وتلويث أيادينا بدماء السوريين، غير فقدان مئات الألوف من جنودنا الذين قضوا على مذبح عصابة آل الأسد من أجل أن يبقوا على عرشهم الذليل المرهون للروسي والإيراني؟ أخيراً أدرك الشبيحة أن الأسد وعصابته والمقربين منه في القصر يرفلون بالنعيم والحرير غير آبهين بما حل بشعبهم المنكوب المسكين، فيما ملايين الموالين للنظام إما في القبر أو يكابدون في قاع الفقر.
الشعب بات يعرف تماماً من هو المجرم الأول، ولمن ستتوجه كل أصابع الاتهام، ومن هو المسؤول الأول والأخير عن هذا الهولوكوست والمأساة
الآن أدرك الموالون أنك لا تستطيع أن تعيش بخير بينما جارك تحت الركام. الآن أدركوا أن الجرح السوري لم يطل فقط الذين انتفضوا في وجه النظام العميل، بل سيطال كل سوري في الداخل والخارج. حتى السوري الذي يعيش في نعيم خارج سوريا طالته الكارثة الأسدية، إن لم يكن مادياً، على الأقل معنوياً وروحياً ووطنياً، فعندما يتحدث العالم عن المحنة السورية، فالحديث سيشمل كل السوريين دون استثناء، فكلنا محسوبون على بعض، سواء كنا معارضين أو مؤيدين، شئنا أم أبينا. حتى لو تملص الشبيحة وتبرؤوا من أخوانهم، فهم في نهاية المطاف في القارب نفسه.
هل تعلمون لماذا خفت الكثير من الأصوات التي كانت تشتم النظام ليل نهار في الداخل والخارج؟ ليس لأن النظام انتصر أبداً، بل لأن الشبيحة باتوا يرددون كل ما كان يقوله الثوار والمنتفضون السوريون منذ ثمان سنوات. لم نعد بحاجة نحن المعارضين لأن نرفع أصواتنا ونضع أيدينا على عورات النظام، فقد صار الموالون في الداخل والخارج يفضحون المستور ويكشفون فضائح الأسد ونظامه الخائن لسوريا والسوريين بطريقة أفضل ربما مما كان يفعله المعارضون لأنهم أكثر اطلاعاً على حجم الكارثة وخفاياها.
اليوم هناك أغنية جديدة تنتشر في مواقع الموالين والشبيحة كانتشار النار في الهشيم تردد كل ما كان يقوله الشباب الذين قضوا في زنازين المخابرات ضد مصاصي دماء السوريين كمخلوف وشركاه وغيرهم من واجهات النظام الاستعمارية. تقول كلمات الأغنية التي لا تختلف مطلقاً عن الأغاني التي كان يصدرها الشباب السوري الثائر: «سرقوا لنا البلد من ثم الولد، شلة حرامية موزعين بالبلد، يا حرام شو صار…جوع وحصار…شعبك سوريا نصو طار.. سامر الفوز شهانا الموز، من غامض علمو صار محسوب عالتجار…دمر ليرتنا، فضا جيبتنا، زوّد حساباتو بالدولار..ثروي مشبوهة، تجرة مفضوحة، أخذ مصارينا من البنوك رايح جاي، عميتاجر فينا يا حسرة علينا، وبالآخر راح يقول لنا باي باي. أبو علي خضور ذنبو مغفور أخذ المعابر كلها وعمندفع أتوات…حتى الإرهابي ما عليه رقابي بيمرق بس يدفع الليرات….رامي مخلوف شفط المصروف طالع نازل عمياكل فينا هالمنشار…عيلة قاطرجي عملونا فرجي..واحد نائب وواحد سمسار..وينك قايدنا تجي وتنقذنا بسرعة لحقنا يا دكتور…منترجاك..رجّع مصارينا..هريو أواعينا..استر علينا منترجاك».
هل تختلف كلمات هذه الأغنية عن الشعارات التي رفعها المتظاهرون السوريون الذين اختفوا داخل السجون أو فروا إلى الخارج خوفاً من الملاحقة الأمنية؟ بالطبع لا. بل إن هذه الأغنية أقوى بكلماتها واتهاماتها من أغاني القاشوش لأنها من قلب النظام. لكن المضحك في هذه الأغنية التي قد تكون وراءها مخابرات النظام للتنفيس وامتصاص النقمة تتجاهل المتسبب الحقيقي والأساسي في كل ما يحدث لجمهور الموالين والشبيحة. هل الذي سرق البلد وشرد السوريين ودمر الوطن ثلة من التجار كرامي مخلوف وسامر فوز وقاطرجي، أم إن كل هؤلاء الذي تستهدفهم الأغنية مجرد أدوات في زيدي آل الأسد؟ هل يستطيع مخلوف وفوز وخضور وغيرهم أن يفعلوا ما فعلوه لولا أنهم محميون من القصر الجمهوري؟ هل كان رامي مخلوف وشاليش يتاجر لمصلحته الخاصة أم لصالح الأسد شخصياً؟ أيها الشبيحة نحن نتفهم وضعكم البائس الذي لا يقل سوءاً عن وضع السوريين المشردين، لكن كان من الأفضل أن تضربوا الحمار بدل أن تضربوا البردعة. ولا ننسى أن المذيعة السورية الشهيرة ماجدة زنبقة ابنة النظام قالت قبل أشهر في منشور لها على فيسبوك إن وضع اللاجئين والمشردين السوريين خارج سوريا أفضل بكثير من وضعها ووضع السوريين في الداخل. وهذا اعتراف صريح من الشبيحة بأنهم كانوا ضحايا النظام ربما أكثر من المعارضين…
لا يخفى على أحد درجة المكر الخبث والدهاء المخابراتي العالية وجرعة الخداع البادية في صياغة وتدبيج كلمات الأغنية والإيحاءات والرسائل التي تود إرسالها لجهة تحميل هذه الأسماء مسؤولية مأساة ومعاناة الشعب السوري، معارضة وموالاة، لإعفاء رأس الأفعى الكبيرة وإظهاره كحمل وديع وملاك وبطل وطني يحارب الفساد، لكن هيهات وهيهات، فالشعب بات يعرف تماماً من هو المجرم الأول، ولمن ستتوجه كل أصابع الاتهام، ومن هو المسؤول الأول والأخير عن هذا الهولوكوست والمأساة.
انتفاضة الشبيحة… أنصار بشار الأسد باتوا يرددون شعارات الثورة!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 28.09.2019