أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
كرامة المعلّم من كرامة الشعب… !!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 10.10.2019

لا يكاد بلد في العالم يخلو من إضراب للمعلمين بين حقبة وأخرى، وذلك لتحسين وضعهم المهني ورفع رواتبهم، باستثناء دول مثل الصين وكوريا الشمالية وبعض الدكتاتوريات التي لا تسمح بالإضرابات أصلاً.
يختلف إضراب المعلمين عن غيره من الإضرابات في الوظائف أو المهن الأخرى، لأن إضراب المعلمين يشمل إضراب مئات آلاف وأحياناً ملايين الطلاب معهم، وهذا يعني شلّ مرافق أخرى كثيرة تخدم الطلاب وجهاز التعليم، وإذا كان سلاح الإضراب في قطاعٍ ما يسبب خسائر مادية محدّدة، فإن إضراب المعلمين يؤدي إلى خسائر معنوية وروحية، وله إسقاطاته على كل أسرة، ومن ثم على البلاد بأسرها.
الدول الأكثر تقدماً في العالم تمنح سلك التعليم أهمية قصوى، وهذا ينعكس على حصة التعليم من الميزانية العامة، ويشمل البنية التحتية والطلاب ورواتب المعلمين.
لا شك أن للمال والمادة أهمية وأولوية في حياة الناس، إلا أن هذا التوجه بالذات ينتقص من قيمة مهنة التدريس، لأن البضاعة التي يقدمها المعلم لطلابه لا تقدّر بمال، فالشعب كله مدين بثقافته وعلومه ووعيه وتقدمه للمعلمين، وهذا يعني كلما استثمرت الدولة في المعلم أكثر كان الحصاد في المحصلة أفضل للبلد كله، وليس للمعلم فقط.
بعض الأهالي ينظرون إلى التعليم كمهنة سهلة، ويرون بأن المعلم يقضي النهار كيفما اتفق ولا يهمه سوى راتبه، ولهذا هناك حاجة ماسة لتذويت مهنة التعليم لدى الأهالي.
على كل والد أو أم أن يتخيّل نفسه واقفًا أمام عشرات الطلاب في كل حصّة، ومئات الطلاب في اليوم الواحد، يشرح لهم درساً، هذا يستمر على مدار عشرة أشهر من العام، ثم لثلاثة وحتى أربعة عقود وأكثر.
كل طالب وطالبة من هؤلاء لديه قدرات مختلفة عن غيره في الاستيعاب، وكل واحد منهم يأتي من بيئة أسرية مختلفة، ومن غلاف نفسي مختلف، بعضهم وحيد أهله، انتظروا طويلاً حتى رزقوا به، فدلّلوه حتى أفسدوه، وبعضهم آخر العنقود، مدلّل وحسّاس جداً، لا يطيق أن ترفع صوتك عليه، وآخر هو الابن البكر للأسرة، يعتبره والده رجلاً بالغاً ويرفض معاملته كطفل، يريده رجلاً قبل أوانه، وآخر يتيم فقدَ أحد والديه أو كليهما ويعاني من حساسية كبيرة في التعامل معه، وذاك ابن مسؤول زيّن له والداه بأنه مختلف وعلى رأسه ريشة، وذاك من أسرة غنية فهم من بيته أن المال هو القيمة العليا وأهم من التعليم نفسه، ومعك قرش تساوي قرشاً، وآخر من أسرة فقيرة جداً، ويحتاج إلى احتضان واهتمام أكثر كي يشعر بأنه ليس أقل من غيره.
يعتقد معظم الأهل بأن العقاب يمس بشخصية ابنهم ويحبطه أمام الآخرين، لهذا يغضبون عندما يعلمون بأن مدرّساً وبّخ ابنهم أو ابنتهم، وقد يأتي بعضهم إلى المدرسة التي لا يزورها أبداً إلا في حالات الطوارئ، يأتي غاضباً ليوبّخ المعلم والهيئة التدريسية، فيكسر روح المعلم ورغبته في العمل، ويضعه بين نارين، أن يرد أو لا يرد، وقد يكون هذا أمام الطلاب الذين يرون في توبيخ المعلم عملاً مسلياً، ما يؤدي إلى استهتارهم به، أو يثير شفقتهم عليه، وهذا أيضاً يسبب ضرراً كبيراً، ويؤدي ببعض الطلبة وخصوصاً الثانويين إلى استسهال ممارسة العنف ضد زملائهم وضد المعلمين.
في الوقت الذي يكون فيه ذوو الطالب في عملهم أو في البيت، يكون الأبناء في رعاية المعلمين، فهم مسؤولون إلى جانب تدريسهم عن سلامتهم وحمايتهم من عنف بعضهم بعضاً ورعايتهم، حتى عودتهم إلى بيوتهم سالمين.
من المؤكد أن الضجة التي يثيرها الأبناء في البيت تزعج ذويهم، ولدى الأهل قدرة محدودة على تحمّلها، بعد ساعة يطلبون منهم الهدوء، ولا يستطيعون مجاراتهم في ألعابهم وطلباتهم وتصرفاتهم وضجيجهم، وأسهل وسيلة يتعامل فيها الأهل هي أن يطلبوا منهم الهدوء، أو إرغامهم على الهدوء، وربما إرسالهم إلى بيت الجد والجدّة، بينما يعيش المعلمون ساعات وسنين في كل يوم مع الأبناء وفوضاهم وصراخهم ومشاكلهم اليومية المتراكمة يومياً.
لا شك أن هناك معلمين غير ناجحين في مهنتهم، خصوصاً أولئك الذين يضطرون لاستخدام التهديد والصراخ للسيطرة، أو أولئك الذين لا سيطرة لهم على الطلاب بسبب ضعف في شخصياتهم، لهؤلاء نقول إن لمهنة التدريس أناسها وأهلها، فهم صبورون وأكثر جلَداً من الآخرين، ولا يمكن لطالب أن يستفزهم بسهولة، وإذا نجح طالب باستفزاز أحدهم، فهذا يعني أنه تجاوز كل حدود، أما من لا يطيق فوضى الطلاب وسذاجتهم، ويضع نفسه في مواجهة معهم بدلاً من احتضانهم واستيعابهم، ويسعى لاستعراض عضلاته وبطولاته وبأسه عليهم، فمكانه ليس في سلك التعليم.
هناك معلمون يعملون في مهن أخرى في أيام العطل أو بعد الدوام، إضافة إلى مهنة التدريس، هذا يمس بشخصهم في نظر الطالب، وقد يجعلهم مقصّرين في عملهم الأساسي، خصوصاً إذا كان أحدهم مديراً ومسؤولاً عن مئات الطلاب، وعرفت مثل هؤلاء ممن تاجروا في كل شيء، كان الفشل من نصيب المدرسة والطلاب حيث يوجد هذا الصنف من المديرين، ولهذا يجب منع المعلم من ممارسة مهنة إضافية، ما دام قد اختار العمل في سلك التعليم.
بمناسبة يوم المعلم الذي وافق الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، نتذكر كل معلم طيّب يقدم كل ما يستطيع لأجل طلابه، ونقول كل عام وأنتم بخير، كذلك نبارك لمعلمي الأردن حصولهم على معظم مطالبهم وعودتهم إلى العمل معززين مكرّمين، وهذا ما نتمناه لجميع المعلمين في الوطن العربي، فكرامة المعلم من كرامة الشعب والوطن. أما معلمونا في مناطق 48، فمسؤولياتهم كبيرة، إضافة إلى مهمة التعليم يتحملون على كواهلهم مسؤولية قومية ووطنية، مثل الإضراب الذي جرى قبل أيام احتجاجاً على إهمال السلطة في مكافحة العنف في الوسط العربي، حيث طلبت لجنة المتابعة إضراب المدارس، بينما طالبتهم الوزارة أن يحضروا إلى المدارس وفتحها، وهذا ما يحدث في جميع المناسبات الوطنية، كذلك عليهم العمل بذكاء أمام طلابهم لفضح منهاج الوزارة الإسرائيلي الذي يزوّر التاريخ ويقدمه بما يطابق الرواية الصهيونية، والعمل على تعديله شفوياً على الأقل لإظهار الحقائق التاريخية المشوّهة، وإنشاء جيل معتز بنفسه وشعبه وقوميته.

1