أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ما فضحته الثورتان اللبنانية والعراقية !!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 14.11.2019

فضحت ثورتا أكتوبر/ تشرين الأول المجيدتان، اللتان ما زالتا متدفقتين وتزدادان زخماً ووضوحاً يوماً بعد يوم في العراق ولبنان، الكثيرين من أصحاب المواقف التي ممكن وصفها بـ»ذنبة الديك»، التي تدور حيث الهواء يدور.
الثورتان فضحتا وأوقعتا هذه الفئة في حيص بيص، فلا هم قادرون على الاعتراف بأن هاتين الثورتين امتداد للربيع العربي، ونتيجة حتمية لما بدأ في تونس ولمّا ينته بعد، لأن الاعتراف سيسقط نظرية المؤامرة نهائيا، ويفضح المروّجين لها، ولا هم قادرون على إنكار كونها ثورات حقيقية، ولهذا كان عليهم أن يبحثوا عن حل لهذا الإحراج، فتفتقت عبقرياتهم عن إجراء عملية عزل، واعتبار الثورتين ظاهرتين منفصلتين تماماً عمّا سبقهما من ثورات.
من جهة يريدون مواصلة التمسك بالوهم الذي أقنعوا أنفسهم وغيرهم فيه، بأن الربيع العربي لم يكن سوى مؤامرة، ومن جهة أخرى يصفعهم ما يجري أمام عيون البشرية كلها، فحلقات الدبكة ومئات الآلاف الذين ينشدون في ساحات العراق ولبنان في شعارات ضد الطائفية والفساد، لم يتركوا مجالا للدعشنة، والعكس صحيح، فالحراك السّلمي ذكّر الناس ببدايات الثورات العربية، وخصوصًا عندما ينشدون أناشيد وهتافات الثورة السورية. من المفارقات التي ينتجها هؤلاء، أنهم يتجاهلون ما ينشده اللبنانيون من إبداعات الشهيد القاشوش في ثورة السوريين، ولكنهم يعبّرون عن ارتياحهم عندما تغني جوليا بطرس ومارسيل خليفة، ذلك أن جوليا ومارسيل محسوبان على المحور المؤيد للنظام السوري.
ظن البعض أنها صرخة عابرة في بيروت وبغداد، ولكن استمراريتها وضعت الجميع أمام مرآة الحقيقة، وأعادت للربيع العربي حيويّته
هؤلاء المنفصمون يطرحون التساؤلات نفسها التي طُرحت من قبل، «من الذي يمثّل المتظاهرين وأين قيادتهم؟». ولم يستح بعضهم من ترديد كذبة «السفارات الأجنبية» بعدما ردّدها حسن نصر الله، وكأن الشعب العربي «شلعة ماعز» ليس على السفير الأجنبي سوى أن يحمل جديًا على كتفه فيثغو هذا، فيتبعه القطيع كله إلى حيث يمشي به الراعي. إنهم لا يستطيعون الاعتراض على ثورة شعب، فيعربون عن تأييدهم لمطالب الشعبين اللبناني والعراقي، ولكنهم يضيفون «الكلاشيه» البائت بأن: «هناك من يريد ركوب الثورات كي يطعن المقاومة».
هو التطبيل نفسه الذي سمعناه عن الثورة السورية من قبل بأن،»المطالب مُحقّة لولا أن هناك من يستغلها لضرب محور المقاومة»، وهو الادعاء نفسه الذي ردده النظام الإيراني، عندما جرت على أرضه انتفاضة قبل أقل من عامين احتجاجاً على الوضع المعيشي، وهي الشبهة نفسها التي توجّه للمعارضين في الدول خارج ما يسمى محور المقاومة مثل مصر، ولكن بشبهة التخابر مع دولة أجنبية لزعزعة استقرار وأمن البلاد.
إضافة إلى هذا، فضحت الثورتان اللبنانية والعراقية كذبة فبركة الأخبار والصور التي وُجّهت لبعض الفضائيات كـ»الجزيرة» مثلا، فالبث المباشر من فضائيات متعددة أجنبية وعربية، وبعضها محسوب على الأنظمة نفسها لم يترك مساحة لمثل هذه السخافات. إضافة إلى محاولة العزل بين ما يحدث هذه الأيام والزلزال العظيم الذي يجتاح العالم العربي منذ سنوات، يحاولون العزل بين حزب الله وحلفائه في النظام، فيزعمون بأن الفساد موجود لدى أطراف أخرى في الحكم ولكن حزب الله بريء منها. الشعب اللبناني هو الذي يعرف، وهو الذي يشعر بهذا الفساد على جلده، ويدفع ثمنه من صحته وتعليمه وأمنه ومستوى معيشته وحياته اليومية، وهو الذي يرفع شعار «كِلّن يعني كِلّن»، كي لا يبقي أي مجال للشك بأن الجميع شركاء في الفساد ومتواطئون معه، وإذا كان حسن نصر الله نقي الكفّين بشكل شخصي، وليست له حسابات بنكية منفوخة بالمليارات مثل غيره، إلا أن هذا النقاء الشخصي لا معنى له عندما يتحالف مع الفساد والفاسدين، ويمنحهم غطاءه ودعمه في مصلحة متبادلة ضحيتها الشعب، وإذا كان حسن نصر الله نظيف اليد، فهذا لا يعني أن رجال الجهاز من حوله ومن يديرون دولته داخل دولة لبنان غير فاسدين، وهذا أسوأ من الفساد نفسه، لأنه يمنح الفاسدين ممارسة الفساد تحت عباءة «حلف المقاومة».
فضحت ثورتا لبنان والعراق أولئك الذين لم يخجلوا أمام تضحيات الشعب السوري ودماء أبنائه وبناته وصرخات وآلام وعذابات المعتقلين في سجونه، دسّوا في أذن طينا وفي الأذن الأخرى عجينا، كي لا يسمعوا أنين السوريين في زنازين النظام، وضعوا على أعينهم حجابا كي لا يروا انتهاكات النظام وحلفائه لأبسط حقوق الإنسان، لم يعترفوا للسوريين وللسوريات بحقهم في صيانة أعراضهم أثناء اعتقالهم، لم يعترفوا لهم بحقهم في الانتفاض على الفقر والاستبداد، ولا بالدفاع عن أنفسهم أمام آلة بطش النظام وحلفائه الخارجيين، بل طالبوا الشعب السوري بأن يرضى بالفتات والإذلال من دون اعتراض، لأن النظام «مقاوم ويواجه أمريكا وإسرائيل». هؤلاء الذين قصدوا أن لا يروا في الثورة السورية سوى «داعش» ومع سبق إصرار، فاتهموا حتى أكثر العلمانيين السوريين ليبرالية بأنه داعشي، وقفوا حائرين أمام الثورتين اللبنانية والعراقية.
لقد ظن البعض أنها صرخة عابرة في بيروت وبغداد، ولكن استمراريتها وضعت الجميع أمام مرآة الحقيقة، وأعادت للربيع العربي حيويّته وضخّت فيه الدماء، وأعادت الأمل الذي حاولوا خنقه واغتياله، وباتت الصورة أوضح بكثير، إما مع أنظمة الاستبداد والفساد، أو مع حرية الشعوب التي فاض بها وعيل صبرها

1