أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
في ذكرى النكبة… لا نريد فلسطين مُحتلَّةً ثانية أو ثالثة!! !
بقلم : إبراهيم نصر الله ... 14.05.2020


اشتدّي أزمةُ تنفرجي
قد آذَنَ لَيلُكِ بالبَلَجِ
مطلع قصيدة للشاعر الأندلسي أبي الفضل يوسف بن محمد المعروف بابن النحوي، ومنذ أن قالها لا يبدو أن الأمور ماضية إلى انفراج!
فلا الأزمة أمّ نفسِها، ولا الليل والد عتمَته.
ولذا تتسع الأزمة، ويطول الليل، وتستمرّ النكبة التي تعاني من عدم دقةٍ في وصفها «ذكرى»، فكل ذكرى وراء الإنسان تكون، أما هذه ففي حاضره مستمرة وعلى عتبات مستقبله رابضة.
هناك أنظمة تعتقد أنها تُطيل عمرها بعملها على بقاء للنكبة، ورعايتها لديمومتها، كما تعمل على تبديد الظلام عبر يقينها أن البهرجة هي الضوء!
في كل أزمة كبيرة تتوالد أزمات صغيرة، وفي كل أزمة يتسلل كثيرون لتحقيق انتصارات خاصة بهم، أو لحماية أنفسهم بأي وسيلة ممكنة.
ليست كل نجاة نصرًا.
ولا كل هزيمة نهاية.
اليوم، تتسلل أنظمة عربية تنهار منذ سنوات، ظانّةً أنها تعلو، لتحقيق أهداف في مرمى الأخلاق، القيم، التاريخ، الوطنية، الإنسانية، العدالة، وكلما حققت هدفًا بتسللها قفزتْ في الهواء فرحًا.
لا أحد يخرج منتصرًا بهذه الأهداف؛ كل من فعلوا ذلك خرجوا من التاريخ الإنساني إلى غير رجعة.
هناك من يعتقدون أنهم أقوياء، بحيث يجوز لهم ما لا يجوز لسواهم؛ الفاشية والنازية والقوميات العمياء، كلها فعلت ذلك لكنها انتهتْ، وعتاةُ الأغنياء يفعلون ذلك وينتهون، حين ينسون أن كل ذهب، مهما كان لونه، أتاك على صحن من فضة، تذروه دائماً عاصفة من غبار.
وهْمُ الثروة الذي استوطن عقول كثير من أنظمة الخليج يتبدد لأنه بالغ الهشاشة، فكم هي فقيرة الأنظمة التي ليس لديها غير المال! أو غير ما منحتْه الطبيعة مصادفة لها، فحوَّلتْه إلى نقمة.
قوى عُظمى تفككت وهي تملك القوة والثروة وارتياد النجوم والعلم، لأنها أصرّت أن تتسلل أو تتجرأ علنًا لتحقّق أهدافها في مرمى الأخلاق والعدالة والقيم. قوى عظمى فعلًا، إمبراطوريات وقادة، لم يكونوا صبيانًا لسواهم وإمّعات وتابعين متذللين وخائفين حتى مرور طائر عبر الحدود.
أي غباء هذا؛ حين يظن من يتحكّم بصنبور الثروة أنه قادر على النجاة بالتآمر على سواه، وقتْل سواه، ومحو تاريخ سواه، لا لشيء، إلا لأنه غنيّ وقادر على شراء كل شيء، هو الممنوع من شراء أو ارتياد أي مدى يحرره من عبوديته!
أنظمة مُفرغة لم تكتشف بأنها الأوهى على وجه الأرض اليوم.
هل تعتقد أنها ستهزمُ فلسطينَ بمنع ندوة ضد التطبيع؟! أو بتمويل مسلسل، كم يشبه سباقات الكلاب.
غباء مطلق.
هناك قوانين جائرة أقرّتها أكثر من إمبراطورية من إمبراطوريات زماننا، ضد نشطاء مقاومة التطبيع، رُسُل الضمير، لكنها تتبدد، لأن الطاغية اعتقد دائمًا أنه سيستريح إذا قام باعتقال صاحب الفكرة أو محاصرته أو قتله، لكن غباءه لا يسعفه في أن يرى أن الفكرة أصبحت أكبر.
أنظمة مُتكبِّرة، متعالية على شعوبها ومستقبل شعوبها، وسارقة لخضرة كل شجرة وظلها وغناء كل عصفور على أغصانها، تعتقد أن قصائد المديح التي تقولها والمتمثلة في هذه المسلسلات التافهة، ستُرضي بها الصهيونية وتمهّد لها الدرب، كما لو أن البشر بلا رؤوس. أنظمة تظن أن هذه المسلسلات تذاكر نجاتها. كما سيكون خرسها سبيلًا لنجاتها بادعائها الطرش، وهي تغض النظر بعمى مُطلق عن وحشية صفقة القرن، والتمدد الاستيطاني الاستعماري الصهيوني من بحر فلسطين إلى نهرها.
غباء مطلق، فمئة عام من الأفلام الكبرى التي أنتجتها الصناعات السينمائية المتصهينة، مستعينة بكل بريق وسطوة ونفوذ وانبهار العالم بصُنّاعها، لم تُنهِ القضية الفلسطينية؛ دون أن ننسى الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون، والكتب، وتزوير المناهج المدرسية.. كل ذلك لم يستطع أن يمحو القضية الفلسطينية.
كلما انتصرتَ على حقّ أو قيمة أو أخلاق غدت سيقان عروشك أكثر هشاشة.
كيف لا يفقه هؤلاء أنهم يحوّلون بلدانهم، ولا أقول أوطانهم، إذ لا وطن لبائع وطنه، كيف لا يفقهون أنهم يحولون بلدانهم بأيديهم إلى مجرد مخزون استراتيجي لهذه الإمبراطورية الأمريكية الفجة، التي تبصق في وجه العالم كل صباح قبل أن تقول لبوارجها وطائراتها وجيوشها صباح الخير.
أيها المستجيرون من الرمضاء بالنار، ستأكلكم النار؛ فالنار التي اجتاحت دائمًا صروح أنظمة الإمبراطوريات الكبرى، لا يعيقها القش المحتمي بظلال أسوار تلك الإمبراطوريات.
لا عروش للأعشاب الجافة القابعة في الظلال ولا خلود.
يكتب المرء هذا بقلب مرتجف، إذ لا نريد فلسطين ثانية، وثالثة ورابعة.. تحت الاحتلال. لهذا يدافع المرء عن كل إنسان يرزح تحت حكم كراسي القش ووهم الثروة الأوهى من وهم القوة أمام فيروس احتل الأرض كلها بلمحة عين.
هذه الأوطان ليست لكم..
هذه الأرض ليست لكم.
هذا الحاضر ليس لكم.
وكذلك المستقبل..
كل هذا لشعوبكم فقط.
لا نجاة لكم في تآمركم على فلسطين، ولا نجاة لكم في سعيكم لوأد كل شعلة حرية يتطلع لها البشر في عالمنا العربي، وتتطلع إليها شعوبكم.
وما يقال لأنظمة عروش القش هذه، يقال للسلطة الفلسطينية، ويقال عن اتفاقات التهدئة في غزة، التي تقابلها، للمفارقة، اتفاقيات التنسيق الأمني التي تهدف إلى شيء واحد في النهاية، هو التهدئة! ففي هذه التهدئة، دائماً، نما سرطان الاحتلال وتمدّد، بسبب أغلى ما يمكن أن ينقذه: منحه الهدنة/ الزمن.
من الغريب أن دولة رام الله ودولة غزة مختلفتان على كل شيء ومتفقتان في هذا!
ما يقال لعروش القش، يقال لسلطة القش التي لا عروش لها، في رام الله، هي التي عمّمت الخراب، ووضعت شعبها في سجون الاحتلال، ولم تزل، وتحقق معه وفق مناهج الاحتلال في التحقيق، وتعذبه بالعبرية، وتشتمه بالعبرية، وتطارده لتقدّمه للجان التنسيق بالعبرية، وتوقّع اتفاقيات محو تاريخه بالعبرية، وتحطم رأسه بهراوات، مرّت عبر نقاط تفتيش صهيونية، بوثائق عبرية، وبنادق ورصاصات حُدِّدت أعدادها بالعبرية، ورواتب وعلاوات ونفقات سفر تُصرف بالعبرية، ومخصصات تُمنع عن ابن وأم وابنة وزوجة الشهيد والأسير، بالعبرية.
ولذا لا نستطيع إلا أن نقول لكم: «انقشعوا» بالعربية، إن كنتم ما تزالون تفهمون العربية حتى الآن، أو باللهجة الفلسطينية «وَرُّوْنا عرض اِكتافكم» مع أنكم بتّم بلا أكتاف، منذ تخليتم عن، أو حرَّمتم، البنادق التي كانت تُعلق على تلك الأكتاف، أو ربما من الأفضل أن نقول لكم بالفلسطينية الفصحى: «اِنْسِلْخُوا»، أو «اِنقلعو» أو «حِلّوا عنّا» أنتم ومن تشبهونهم ومن يشبهونكم!

المصدر : القدس العربي
1