أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عبده خال: الأسطورة هي المستقبل !!
بقلم : زكي الصدير  ... 23.02.2014

**من الواضح أن مشروع عبده خال أنقذ ما تبقى من الرواية الشفهية (التهامية والحجازية) المؤرشفة على ألسنة الرواة.
جدة - محملاً بحقيبة الحكايات الأنثربولوجية، بعيداً عن غوايته كسارد يأتي الروائي السعودي عبده خال للقارئ بأصالة جديدة تلمّح للحاضر وتستشرف المستقبل بأصابع الماضي. تقف “صحيفة العرب” معه حول كتابيه المثيرين للجدل “قالت حامدة.. أساطير حجازية”، و”قالت عجيبة.. أساطير تهامية”. في حوار عميق حول التجربة.
حفريات أسطورية
في البدء كان لخال تعليق جدلي حول كون الخرافات مقدّراً لها التكذيب حين استعرضنا له رواية ابن الكلبي التي تقول إن خرافة رجل من بني عذرة، أو من جهينة، اختطفته الجن، ثم رجع إلى قومه، فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس، فكذبوه. قال خال مستنكراً “وما ذنب كل الحكايات الساحرة أن يلحق نسبها بخرافة هذا حتى تكذب؟” وأضاف “تقييم الحكاية بالمعيار الأخلاقي (كذب وصدق) هو انتقال من فضاء منسق بقوانينه (ولتكن الفنون) إلى فضاء مواز مغاير في أنظمته وقيمه الأخلاقية (وليكن الواقع)، وهما عالمان يتماسّان، ولا يمتزجان إذ أن لكل منهما بنائية خاصة تبدو للوهلة الأولى متمازجة إلا أن ما نحمله من تصنيف للعالمين يحدد الاستقلالية لكل منهما، ومع ذلك نسهو ونقوم بمزجهما وفق ما نريده نحن، فإن كنت قادرا على تكذيب الواقع فأجزم بأنك لا تستطيع تكذيب الفنون لأن أدوات حكمك مستجلبة من خارج الفن ذاته”.
واستمر خال في ذات السياق قائلاً “تنبه الأوائل لمعضلة تلقي الفنون بالمعيار الواقعي فأجّلوا غبش وهم الامتزاج بينهما بجملة (أعذب الشعر أكذبه)، وهذا القول ليس تمجيدا لخصلة الكذب بل تمجيد للخيال، وهي العلامة الفارقة التي لم يتنبه لها الكثيرون إلى الآن. والمتلقي البسيط يجمع العالمين في خانة واحدة ويحكم عليهما بقيم وأخلاقيات العالم الواحد. وهذا ما يفسر ملاحقة الحكاية بأنها كذبة قيلت، وعند هذا القول تسقط أو تتراخى حالات الاعتناء والتنقيب والاستيضاح، وخصلة اعتياد التلقي تجعل المرء في وضعية الجامع لكل الأخطاء المعرفية التي وصلت إليه والبناء الخاطئ على قاعدة خاطئة ويضاف لذلك كون القول الشفوي هو الوعاء الذي انتقلت من خلاله الأسطورة وهذا ما تلازم معها ورجح الذهاب بها إلى عالم الخرافة الذي أسس له بأنه ناف للواقع وأن أحداث الحكاية نافية لوجودها، وقد سارت على هذا الفهم الغالبية العظمى من الناس الذين لم يشاؤوا التعرف على كيفية تماسها مع واقع سبقنا بآلاف السنوات”. وأضاف “ومع كل هذا القول الباحث عن فصل العالمين يمكن أن أعود لأقول إن كلا منهما يتغذى على الآخر مما ينفي الفصل بينهما، ولفهم هذا الارتباك في التثبيت والنفي علينا الإدراك أن العالمين يتواجدان معا في لحظة زمنية ويفترقان في لحظة أخرى، والامتزاج والافتراق يعتمدان على وعي المتلقي في التثبيت والنفي”.
ارتداد للأمام
حول اشتغاله على الأسطورة بعد سلسلة سردية طويلة، وإن كان ذلك يعدّ ارتداداً في عصر الحقائق الفيزيائية، يحدثنا خال قائلاً “هذا سؤال يقر من البدء بحتمية الفصل، فصل قنوات السرد بعضها عن بعض، وفصل الأسطورة عن الحقائق العلمية، وهذا الفصل يأتي تماشيا مع التصنيفات المتعارف عليها. ثم نجد السؤال يقرر أن الأسطورة هي ارتداد للخلف بينما إيماني أن الأسطورة هي المستقبل وقد أشرت إلى ذلك من بداية المقدمة للكتابين (الأساطير التهامية والحجازية) فإن قلت إننا بقايا أساطير إنما كان نتاجا لما اطّلعت عليه خلال الكتابة والإعداد للكتابين وقد وقر في نفسي إيمان بأن الأسطورة هي الوعاء الحقيقي لما نعيش، ويصبح قولي بأننا بقايا أساطير جملة ناقصة توقفت في زمنيّتها أيضا إذ أن المعطيات المعرفية تقول إننا داخل رحم أسطوري من البدء للمنتهى”. ويضيف عبده خال “حقائق الفيزياء وكل العلوم المختلفة هي ابنة لذلك الرحم المتسع الذي لازال يلد واقعه في كل زمان ومكان، وأرى أن ما قمت به لا يعد ارتدادا بل اكتشفت أننا (علقة) في رحم لازال يتخلق يوميا بأساطير جديدة، وما فتئنا عاجزين عن اختيار الأساليب الكتابية لتقديم تلك العوالم المدهشة”.
إنقاذ الرواية الشفوية
من الواضح أن مشروع عبده خال أنقذ ما تبقى من الرواية الشفهية (التهامية والحجازية) المؤرشفة عن ألسنة الرواة الذين مات كثير منهم. حين طلبنا منه الحديث عن منهجية التجربة أجاب خال “لا تحمّلني قلادة هذه البطولة الزائفة. فما بقي على ألسنة الأحياء يفوق ما جمعته أضعافا مضاعفة، وما اندثر أو طمر تحت التراب مع من رحلوا يتعدى في عدده وتنوعه ما بقى بيننا من حكايات. وربما يكون الفارق بيني وبين شخص آخر ورث ما ورثته من حكايات أنني أقدمت على نشر ذلك الإرث، فمنذ البدء، ومنذ خروجي من القرية وذاكرتي تحمل عشرات الحكايات التي سمعتها، ومع الأيام تحولت إلى هاجس ورغبة في إخراجها، وقد تطوّرت تلك الرغبة إلى مواصلة جمع أية حكاية أعبرها أو تعبرني، وللأسف الشديد تأخر مشروع إخراج هذه الحكايات زمنا طويلا، وأثناء هذا الزمن المتوقف فقدت ما يقارب المئتي صفحة كنت قد سجلت بهما حكايات مختلفة مقرونة بملاحظات ومراجعات ومقارنات مع أساطير عالمية، وفقدت أيضا مجتزءات قمت بتسجيلها من مصادر مختلفة أثرت عليّ عند الإعداد لهذين الكتابين. وأثناء الكتابة لم تحركني رغبة الباحث أكثر من رغبة الجامع والمحب لإخراج إرث حكائي أحببت أن يشاركني الآخرون متعة الاستمتاع به. وقد حمل الاستهلال للكتابين الطريقة التي انتهجتها في توثيق تلك الحكايات”.
نسق ثقافي واحد
يرى عبده خال أن “أي تجمع بشري يصر على طبع تواجده بنسق ثقافي واحد يصيبه الضمور والتلاشي، فطبيعة المجتمعات الحية ذات النمو والراغبة في التمدد تسعى للتنوع حتى إذا لم يوجد تنوع (وهذا مستحيل حدوثه) فإن السلطة القائمة تعمل على خلق التباين والتنوع لكي تستطيع مواصلة نموها الذاتي. وهي القاعدة الأزلية لمواصلة الحياة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فتدافع الناس لا يتحقق إلا من خلال التنوع، فاختلاف الأفكار يولّد قوة نمو مطردة تجعل للحياة ديناميكية مولدة للأفكار والباحثة دائما عن وسائل متقدمة للوصول إلى الأمثل”. ويضيف خال بشأن رغبة بعض القوى جعل الثقافات أحادية “تصبح مشكلة أية قوة راغبة في السيطرة الإبقاء على سلوك وتفكير أحادي إذ أنها بهذه الرغبة تضمر قواها من غير أن تعلم! ولأن الحكاية الشعبية -أحيانا- تأتي مقدمة للعبرة فإنها تحمل واقعها الذي شهدت عليه في زمن ما وفي مكان ما أي أنها تقدم الدروس المجانية لمن يريد أن يتعظ”.
قطيعة سوسيولوجية
بالحديث عن أسباب القطيعة المعرفية بين الحاضر والماضي التي وضعت المتلقي أمام واجهات زجاجية كبيرة لسوسيولوجيا لا يكاد يرى شيء منها يقول خال “الخوف يحدث القطيعة، وكلما تعاظم في وجدان الأمة ارتدت إلى الخلف وأغلقت جميع المنافذ على ذاتها ومع الخوف تصاب بمرض الرهبة ولا تعود قادرة على فعل شيء سوى عزل نفسها عن المحيط العام، وهو فعل أشبه بالعزل الصحي”.
وأضاف في ذات الصدد “العراب لهذا العزل هم حاملو الأفكار (البايتة) إذ لم يستطيعوا إنتاج خبزهم الطازج وظلوا يقتاتون ضعفهم ويمنعون أي يد تحرث من أجل أن تبذر تاريخها الجديد. نحن بحاجة لحرث ثقافتنا وخلخلة المسامات المغلقة فيها، وهذا الوهن لم يصبنا إلا عندما ظهر المنادون بالانغلاق على الذات خوفا على الهوية. والآن ومع اقتراب وتماس المجتمعات في كل مكان زادت الخشية على المريض المعزول”.
تسييس الأسطورة
هنالك قلق يدور حول تسييس الأسطورة المحلية أو اختطافها كما فعل الإيرانيون –على سبيل المثال- في عيد النيروز. أو المصريون في شمّ النسيم حدّثنا خال عن ذلك قائلاً “كل الأمم تخلق أعيادها وأفراحها كنتاج لحدث ديني أو توقيتي (زمني) وعيد النيروز يعني اليوم الجديد كما تأتي على ذكره ملحمة الشاهنامة فتؤسس له زمنا سحيقا غارقا في التاريخ وتوصله ببدء الخليقة، بدءاً من الملك جيومرث الذي استوطن الجبال، ومن هناك بزغت الحضارة حتى تصل إلى الملك جمشيد الذي يكلف الجن بحمل مشعل الحضارة إلى بقية المعمورة، وهذا الحدث اعتبر يوما جديدا أضاء أركان البشرية، ومع تطاول العهد كان للأوضاع السياسية دور في تشكل هذا اليوم وتم إعلانه كبداية للسنة، وهو عيد مرتبط بتجدد الأرض، وقد مر هذا اليوم بتطورات دينية وسياسية أحدثت فيه تغيرا وأضافت إلى احتفالاته طقوسا عديدة.
وعيد شم النسيم عيد فرعوني قديم (واسمه شمو في اللغة الفرعونية القديمة) تؤسس له الذاكرة بعدا تاريخيا يصل إلى أول الزمان (كثقافة فرعونية) كاحتفال ببث الحياة، ثم تطور وتبدل واقترن بمشاهدة وقوف الشمس على قمة الهرم وهو ما يشير إلى حلول موسم الربيع. وفي العيدين (النيروز وشم النسيم) تشير المرويات إلى أنهما عيدان احتفل فيهما الإنسان الأول بتجدد الأرض وهنا أجدها فرصة للانتصار لأسرتي المزارعة بالتأكيد على أن المجتمع الزراعي هو أول من اهتم بخلق الأفراح في حياته. ولكي لا أواصل التجنيح بعيدا عن السؤال فسأقول إن أي حدث يكتسب تأييدا شعبويا ويداوم عليه فيتم أسطرته مع مرور الزمن وشرطية الأسطورة شبيه بتحلل المواد العضوية وتحولها عبر آلاف السنوات لمادة خام وأقرب صورة يمكن استعارتها لهذا هو تكون النفط. فالأسطورة تفسير وجودي لماهية الأشياء المعجزة على التحليل العلمي وارتهانها لتفسيرات المخيلة التي تمنحها في كل زمن زوائد حكائية تبقيها حية على الدوام. وقد عاشت الأسطورة العربية حية قوية تتفاعل وتؤثر إلى أن جاء زمن الطمس والإزالة، وفي مجتمعنا المحلي تم التعامل مع الأسطورة بالنبذ والإقصاء، وما حدث مع الآثار من طمس وإزالة حدث مع الأسطورة إذ أن العقلية الباحثة عن الفناء ترغب دوما في قبر الأشياء قبل أن تفنى هي وهي فكرة تطبيقية لما أنتجته العقلية الفرعونية من دفن المقتنيات مع الفاني والمنتهي ونحن نطبق عملية الدفن لأساطيرنا وآثارنا ليس من أجل أن تبعث معنا بل طمسها لكي لا تعيش معنا فلا نبعث معها، وهنا تقبع المعضلة”.
في سؤال حول إمكانية دفع الواقع نحو (الأسطرة)؟ أم أن الحكاية الأسطورية مرتهنة بالتاريخ؟ أجاب خال “لم يتفق دارسو الأنثربولوجيا على مصطلح محدد لتعريف الأسطورة ويذهب جلهم إلى تعريفات مختلفة لكن علينا ألا نغفل المفهوم الأساس للأسطورة بأنها مرتبطة بالآلهة وأنصاف الآلهة ومع مرور الزمن انزاحت عن هذا الدور فظهرت الملاحم والسير والحكايات التي ارتبطت بواقعها أكثر من ارتباطها بتفسيرات وجود الآلهة وتنوعها.
وحضور الأسطورة سابق لمرحلة التدوين إذ أنها مرويات شفوية، وحين دخلت في وعاء التاريخ بدلت الصياغة السلطوية للتاريخ من ملامحها، وعندها سعى التاريخ إلى تقليم المخيلة الأسطورية ليبقى هو المصدر الوحيد لما حدث في الزمن السحيق، وفي ظل تملك التاريخ كل السلط المثبتة لوجوده لم يستطع اكتساب ميزة الأسطورة التي خرجت من التدوين على ألسنة الرواة فحدث أن عبرت الزمن بأخطائه وثبتت وقائع التاريخ كتابياً فلا يعرفها إلا من يقلب الصفحات. وبين الثابت والمتحرك ظلت مخيلة الإنسان ماكنة لإنتاجٍ حكائيٍّ لا يتوقف.
هيراكليس الشعوب
تميل الشعوب عادةً لخلق أبطالها الأسطوريين، أو “سوبرماناتها” الخارقين لتأنس لهم، وتطمئن لوجودهم، وتتباكى على نفسها من خلالهم. هذا ما يذهب إليه عبده خال حيث يقول “لا يخلو زمن من بطل ملحمي، والحكايات الشعبية تخلق في كل فترة زمنية أبطالها الملحميين وتحمّلهم أمانيها وتطلعاتها وعادة يولد البطل الملحمي في فترات الضيق والانهزام فإما أن يقود مجتمعه للانتصار أو للنضال. وفي الحالتين تنشط المخيلة الشعبية في سرد بطولات قائدها الملحمي وتضفي عليه صورا متعددة من البطولات التي تتجاوز واقعها وهي بذلك التجاوز تنتقل من الواقع إلى الخيال في إصباغ المعجزات على بطلها”.
السعوديون والأسطورة
يعتبر خال أن موقف التيارات الدينية السعودية الممنهجة التي ترغب في القضاء على الحكايات الأسطورية باعتبارها تاريخاً لا إسلامياً يجب عدم إعادة صناعته ليس موقفاً حديثاً، وعلّق على ذلك قائلاً “هذا الموقف موقف قديم وليس حديثا حتى يقرن بالمشايخ السعوديين – وإن تبنوه- وهذا ما أدى للفهم الخاطئ للأسطورة منذ بداية التدوين العربي، إذ نجد في أمهات الكتب موقفا صارما من الأسطورة إذ أقعدوها مقعد مطلق الأكاذيب ولم يلتفوا إليها في أحد معانيها اللغوية بأنها كل ما سطر ودوّن، وعند كتابتي للكتابين (قالت حامدة وقالت عجيبة) تناولت مفهوم الأسطورة في القرآن الكريم وأكاد أكون متيقنا لو أن المؤرخين الأوائل تنبهوا للعمق الأسطوري في وجدان الأمم لفهموا كثيراً من إشارات القرآن”. وأضاف خال “في التاريخ العربي لاحق المؤرخون الأسطورة كخبر يجب عدم تصديقه وهو ما ظهر لنا لاحقا بكلمة إسرائيليات واكتسبت هذه الكلمة إسقاط كل ما تم استلهامه من العهود السحيقة بأنه مكذوب.
وهنا نجد أننا لسنا في حالة تنقيب وبحث عن أثر المكذوب في حياتنا ووجودنا. وكما أن الأسطورة حكاية متخيلة لما كانت عليه الآلهة يكون إسقاطها بمتخيل مقابل وفي كل فترة زمنية تنهض صورة متخيلة تتحول مع الأيام إلى صورة تستحضر الأسطورة الأولى”.
التاريخ الشعبي
يرى عبده خال أنه من الطبيعي أن تساهم المؤسسات التعليمية السعودية في تغييب التاريخ الشعبي معللاً ذلك بقوله “أية مؤسسة تعليمية رسمية هي معنية بتعليم ما تم التوافق عليه على أنه ثابت الوقوع ويساهم في ثبات واستقرار حاضر تلك المؤسسات. ولأن تهمة الأكاذيب طاردت الأسطورة وما تولّد منها من ملاحم وسير غدت أوعية حكائية لا بد من محاربتها وإسقاطها. فالتعليم أداة تثبيت لكل نظام وليس أداة تنقيب وحفر واستدلال، ولن تجد مؤسسة تعليمية تقول لك الحقيقة، حقيقة ما قبلها، والتاريخ عادة له صورتان: صورة التاريخ الرسمي، وتقابلها صورة التاريخ الشفوي. وكل منهما يصارع من أجل الانتصار لقيمه الخاصة، فكيف تريد من المؤسسات التعليمية الانتصار لمن يقارعها ويرغب في كشف وجودها؟!”.
الحكاية والمكان
في سؤال لخال حول أن هنالك من يرى بأن حالة “النجددة” أو تحويل ثقافة الاختلاف لثقافة ذات طابع أحادي نجدي أثّرت من وقت مبكّر على تغييب الحكاية الشعبية، أجاب خال عن ذلك قائلاً “الحكاية الشعبية لا تجنيس لها فهي عابرة للمكان والزمان والأقلمة، وعادة لا تكتسب الحكاية الشعبية الذيوع والانتشار إلا بعد فترة زمنية تختلف اختلافاً يعتمد على قوة تصدير تلك الحكاية من خلال المجتمعات المفتوحة والباحثة عن الانتشار أيضا بينما نجدها في المجتمعات المنغلقة خامدة ولا تسعى للانتشار بل تظل كمادة استهلاكية. ونلحظ ذلك في افتقار المجتمعات المنغلقة للفنون المتعددة واقتصارها على فنون بسيطة تكون من إنشاء أبناء ذلك المجتمع وتتميز بالبساطة في أفكارها وأدائها وإن تواجدت بها فنون ذات عمق حضاري تكون فنونا وافدة مضى على توطينها سنوات طويلة فيظن السامع لها أنها ابنة شرعية لذلك التجمع المنغلق”. وأضاف خال مستأنفاً “لو أردت العودة لسؤالك فيمكن القول إن أية بقعة جغرافية تمتلك السلطة يمكن لها أن تسيّر فنونها على أنها هي الأصل، ويحدث هذا في كل فترة تاريخية لكنّ المقاربات والدراسات تظهر حقيقة السائد والمتنحي. ويشهد علم الأنثروبولوجيا على أن كثيرا من الأساطير العربية (أو الشرقية) هاجرت منذ زمن بعيد عابرة باتجاه الغرب واستوطنت هناك وتمّ إعادة تصديرها للشرق على أنها أساطير تخص تلك البقعة الجغرافية. واختصاراً للسؤال يمكن القول إن الحكاية تولد في مكان ثم تصبح ابنة شرعية لكل من رعاها ونقلها”.
اختتم خال حديثه معنا بالقول “إن الحكايات لا تنتهِي، وتصنيفها مناطقياً خلل فادح إذ أن الحكاية تمتلك قوة دفع ذاتية تبتعد عن نطاق التسيير فإذا آمنّا أن المجتمعات هي الصانع والمنشئ لحكاياتها وفنونها فسوف يخبرنا واقعها بأنها في حالة سفر دائم، تنتقل من منطقتها إلى مناطق أخرى وتضاف إليها زوائد تتناسب مع البيئة المنتقلة إليها، وقد تتواجد في بيئة وهي ليست ابنة شرعية لتلك البيئة، وقد تعود من هجرتها إلى بيئتها كحكاية مصدرة. وحين قرنت حكايات الكتابين بمنطقتين محددتين كان ذلك بسبب الإرث الحكائي الذي أمتلكه كوني عشت في المنطقتين المذكورتين ومع مقارنة تلك الحكايات بما تموج به الذاكرة الإنسانية فسوف تلحظ مباشرة أن الكثير من تلك الحكايات تواجد في كل مكان بهذه المعمورة، الفرق أن كل بيئة تكيف الحكاية وفق ما يحلم به إنسان ذلك المكان”.

المصدر : العرب
1