**الرسام العراقي المعروف باحترافيته في الرسم، على مستوى الكاريكتير والتشكيل معا، يفارق الحياة في ميتة ظالمة ومأساوية.
دخلت، ليلة الأربعاء الماضي، جنازة رسام الكاريكتير العراقي أحمد الربيعي إلى بغداد بصمت وحذر شديدين، ويشيعه أهله ومحبوه من جامع الكيلاني وسط العاصمة، في وداع أخير قبل دفنه بمقبرة الغزالي، والكل مذهول ومفجوع برحيله المفاجئ.
المؤلم أكثر أن أهل أحمد الربيعي رفضوا إقامة عزاء علني له، خوفاً من استهدافه بتفجيره من قبل جماعات وميليشيات تابعة لإيران، كانت قد هددته بالتصفية الجسدية، وأجبره ذلك على ترك بغداد نحو أربيل، استعداداً لمغادرة العراق والبحث عن فرصة في بلد يمنحه اللجوء، ذلك كله لأن الفقيد رسم صورة للمــرشد الإيــراني علي خـــامنئي.
حكاية أحمد الربيعي (1968-2014) بدأت عندما أعدت صحيفته “الصباح الجديد” بتاريخ 6 فبراير الماضي، ملحقاً يقرأ تجربة الثورة الإيرانية في العام 1979.
والمفارقة أن الملحق كان يحمل آراء معتدلة عن الحدث في ذكراه السنوية، بوصفه من الأحداث المهمة في القرن الفائت، ومن عادة الصحيفة حينما تعدّ ملحقاً عن ظاهرة أو تجربة ما، فإنها تختار أبرز شخصية ويرسمها الربيعي في بورتريه فني من باب الإشارة فقط لا السخرية، فعلت ذلك مع أردوغان وأوباما ونجاد ومحمد مرسي وجلال طالباني وعمار الحكيم وأحمد القبانجي، فرسم الفنان في حينها خامنئي، ولم تمرّ ساعات على إصدار العدد، حتى انهال سيل من التهديدات عبر البريد الألكتروني إلى الجريدة وإلى الربيعي نفسه.
وبدفع من نواب في البرلمان العراقي يتقدمهم النائبان قاسم الأعرجي وعدنان الشحماني، انطلقت تظاهرات ببغداد رفعت فيها شعارات تحريضية لميليشيات “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، فبمجرد انطلاقها في ساحة الفردوس، تم نسف مقر الجريدة وتفجيره بعدة عبوات ناسفة.
تقول مصادر أمنية رفضت الكشف عن اسمها وقتها، إن “إحدى العبوات لو لم تفككها الأجهزة الأمنية، لهدّمت ما يقرب من 10 منازل قريبة من مبنى الصحيفة، لكمية الـC4 التي احتوتها”. وفور ذلك هرب الربيعي إلى أربيل تاركا مشاريعه الفنية وأصدقاءه وعمله.وأجبرت الصحيفة التي عادت إلى الصدور بعد أسبوع من الحادث، على تقديم عدة تنازلات وكتابة أكثر من اعتذار مهين، تحت الضغط والتهديد، في محاولة من السفير الإيراني ببغداد حسن دنائي فر إذلال الصحافة العراقية وإخضاعها، خاصة عندما اعتذر رئيس تحرير “الصباح الجديد” إسماعيل زاير “إن كان البورتريه فهم خطأ من قبل إيران”، مطالبا فر بـ”إعلان قبول الاعتذار وعدم انزعاج السفارة من رسمة فنية ليس إلا”، لكنه تنصل بالقول: “لا نستطيع السيطرة على غضب مقلدي ومحبي خامنئي في العراق!”.
*ميتة ظالمة
ذهب الربيعي إلى حتفه، وقتله الخوف، بعد أن شعر بالعزلة وكأنه منفي قسرا، وهو لم يفعل شيئا سوى أنه قدم عملا فنيا فسره بعض الجهلاء على أنه إساءة لرمز ديني، لدرجة أن صحيفته خشيت من النشر له مجددا، فتفاقم الالتهاب الرئوي الذي كان يعاني منه، وتعرض إلى التجلط الرئوي ثلاث مرات، فمات أخيراً، فلا دولة مقتدرة وقوية حمته، ولا ساسة دافعوا عنه وسجلوا مواقفهم بشأنــــه، كـــــون الانتخابات على الأبواب والكل يخشـــــى على حظوظه فيها ولا يريد إغضاب إيران وأنصارها في العراق، وإلا كيف نفسر السكوت عن وضع صور لخامنئي في ساحة الفردوس، وتثبيت واحدة منها -مازالت حتى اللحظة- على المنصة نفسها التـي سقط منها تمثال صدام في 9 أبريل 2003.
وها هو الرسام العراقي الذكي والمعروف باحترافيته في الرسم، على مستوى الكاريكتير والتشكيل معا، يفارق الحياة في ميتة ظالمة ومأساوية، وهو الذي عانى ما عاناه منذ أن أخذ ينشر رسوماته في الصحافة عام 1987، بدءا من منع عدي صدام له من الرسم -بأوامر عليا إلى كل الصحف في زمن النظام السابق- منذ عام 1993 وحتى 9 أبريل 2003.
وعاد أحمد الربيعي إلى الرسم في الصحافة، مع الغزو الأميركي للعراق، ليتعرض ثانية إلى تهديد من قبل تنظيم “القاعدة” عام 2005، فيهاجر إلى مصر حيث أصدر من هناك عام 2006 عن دار ميريت كتاب “كاريكتير أسود”.
ثم يعود بعد عامين إلى بغداد، مواصلاً العمل في صحيفة “الصباح الجديد”، وهو الذي نظم ثلاثة معارض شخصية، وشارك في الكثير من المعارض المشتركة في اليابان، وتركيا، ورومانيا، وفرنسا.
ولا يتردّد صحفيون عراقيون ومنظمات معنية بالدفاع عن الحريات الصحفية، من إظهار شكوكهم في طريقـــة وفاة الربيعي، الذي كان يتهاتف مع زملائه ولم يكن بحالة خطرة توصله إلى الموت، حتى قبل أسبوع من ذلك، بل إن أخباراً تفيد بأنه وفي يوم موته، لم يكن في مستشفى “رزكاري” بأربيل غير طبيب مقيم واحد لم يستطع إنقاذه في لحظاته الأخيرة، وهو ما دعا المنظمات المذكورة إلى انتــــظار انتهــاء العزاء ومطالبـــة عائلتـه بالاطلاع على تقريـر الوفــاة.
أحمد الربيعي لم يمت بعبوات خامنئي في بغداد بل قتله الخوف بأربيل !!
بقلم : سلام البغدادي ... 27.03.2014