تدافع الكاتبة الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي في ديوانها الشعري الجديد -الصادر عن دار نوفل (بيروت-لبنان 2015م)- بعنوان “عليك اللهفة” عن أطروحتها المؤسسة لمشروعها في الكتابة الروائية، وهي الأطروحة النسائية، موظفة لغة شفيفة تنسجم مع الموضوعات المعالجة في المتن الشعري.
وتسائل مستغانمي -في خطابها المسترسل الموجه إلى الآخر المختزل في الرجل- عالم الأنوثة والذكورة بحس دقيق، ووعي أعمق بخصوصية الانفعالات لدى الجنسين، وطبيعة التواصل الحاصل بينهما، والذي يتأثر بالسمات الجسدية والنفسية لكل من الرجل والمرأة.
وأفرد التشخيص الواعي لأسباب برود العلاقات الإنسانية كل قصائد المجموعة الشعرية، وعددها أربع وثلاثون قصيدة، كتبت على امتداد الحيز الزمني الفاصل بين 1973 و2014 بالسلاسة نفسها، وبالتفوق المعهود لدى صاحبة “ذاكرة الجسد” في إيجاد الكلمات الأرحب لاستيعاب المشاعر الفياضة التي تجيش في النفس، والأقدر على ولوج مستغلقات الشعور ودغدغة الأحاسيس الإنسانية.
بوح جريح
تهتف القصائد في ديوان أحلام مستغانمي بأشبه ما يكون بالبوح أو صرخة الأنثى بصور مجازية تقطر رهافة ومشاعر تجعلها أقرب إلى المتلقي، إذ تجعل من العاطفة الجياشة محور اشتغال لغوي مُضنٍ أقرب إلى السهل الممتنع.
وتتجلى قوة العمل في قدرته على تناول الموضوعة نفسها في سياقات مختلفة، وصور متعددة، بنبر مختلف وأخاذ، وإيقاع مباغت يتسلل مثل النفس إلى خواطر الوجدان.
ويسوقنا تأمل المضامين الشعرية في مجموعة “عليك اللهفة” إلى الوقوف على مسحة دقيقة من الحزن تتخلل البوح الشعري الذي يتمظهر في حلة تتفاعل معها كل الأجيال.
ولعل المسوغ الرئيسي لحضور هذه النغمة النكوصية هو تردي العلاقات الإنسانية، وتراجع القيم النبيلة التي تلحم المجموعة البشرية وتقرب بين الآدميين، أمام انتشار القيم المادية التي تدعو إلى الانكماش والتقوقع والانغلاق على النفس، وتزرع الحقد والكره وقيم الصراع والتنافس غير الشريف حول الرغبات والشهوات.
وتختزل مستغانمي سر انتكاس الحضارة إلى برود العلاقات البشرية وتجمدها، وخلوها من الدفء، منطلقة من تشخيص بؤر التصدع في العلاقة بين المرأة والرجل، حيث تسود المجاملات والأباطيل والأكاذيب والخيانات في سعي إلى الهيمنة والاستحواذ، مما يجعل العلاقة دوما على أهبة الانفجار.
وبوضع هذه المجموعة الشعرية في السياق الثقافي والسياسي الآني للعالم العربي نجد أن المتن لا يخلو من مفارقات، حيث سيادة العاطفة والأحاسيس الجياشة موضوعا محوريا في زمن يعرف حراكا سياسيا وثقافيا غير مسبوق في المجتمعات العربية.
ولعل العمل الشعري يضمر نقدا مبطنا ورؤية ساخرة من الأوضاع المخيمة على المنطقة العربية، وذلك بتحاشي التطرق إليها، وتناولها في المنجز الشعري، وكأن الشاعرة توجه رسالة إلى العالم العربي تدعوه فيها إلى نبذ الصراعات والخلافات، واحتضان المحبة في بعدها العميق والشمولي من أجل الخروج من مأزق اللحظة.
معجم عاطفي
تعزز كل المكونات الجمالية واللغوية في المنجز الشعري الموضوع الذي يتمركز حوله، فهو يستعين بلغة رقراقة متيسرة، تتدفق بالإيحاءات والصور المدغدغة للأحاسيس، وتنبض بقيم الجمال والمودة مع تجنب العبارات الخادشة للحياء، كما أنه يسعى إلى الوصول إلى المتلقي بأبسط السبل دون تعقيد في الخطاب.
تتكلم الشاعرة بضمير المتكلم، فنحس أنها تختزل كل نساء العالم في معجمها الجريح، محتضنة إياهم في بوح يسعى للإلمام بكل تفاصيل العالم الأنثوي، بعاطفة متدفقة، وقول أقرب إلى السرد، وخطاب متدفق لا يخلو من توجيه للعتاب إلى الرجل، الكائن المتعنت الذي لا يزن ما تضمره له المرأة من إعزاز كان أبا أو زوجا أو أخا أو ابنا.
كل هؤلاء تختزلهم صاحبة “فوضى الحواس” في ضمير واحد جامع هو ضمير “الكاف” الدال على المخاطب المذكر المتعدد في أفراده.
وتقول الشاعرة في هذا السياق “على مدى عمر خنت الشعر، كنت دائمة الانشغال عنه بكتابة ما يفوقه شاعرية. حرصت أن تكون الحياة قصيدتي الأجمل.. لا تبحثوا في هذه النصوص عن أشعاري، ما هذه المجموعة سوى مراكب ورقية لامرأة محمولة على أمواج اللهفة، ما ترك لها الحب من يد سوى للتجذيف بقلم”.
عليك اللهفة.. مستغانمي تقيّد العواطف بالشعر!!
بقلم : إبراهيم الحجري ... 22.02.2015
المصدر : الجزيره نت