دخلت بقامتها الفارعة وقوامها الرشيق الذي لم يستطع المعطف الطويل وغطاء الرأس من إخفاء معالم الجمال الواضحة في وجهها وعينيها المدورتين ووجهها السّاطع وابتسامتها الخفيفة الخجولة التي أضفت مسحة أخرى من الجمال على ما تتمتع به من سحر وجاذبية أشاعتهما لدى دخولها المطعم، حين كان وسام بانتظارها مع صديقته هدى التي تواعد معها على اللقاء في المطعم عند مدخل المدينة الغربي. صافح صديقته بينما عيناه متعلقتان بوجهها، وألقى نفسه يرحب دون خجل:
- أهلا بالجمال الإلهي!
أطرقت حياء، وبادرته صديقته:
- إحمْ.. إحمْ.. نحن هنا.
فاستدرك قائلا:
- أنت الجمال ُومعك هالة من النّور، كم أنا محظوظ.
أكثر ما خشيت منه هدى أن يتمادى وسام بكلامه المعسول، وإطلاق لسانه المنفلت بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وقالت بجدية ورسمية:
- أقدم لك صديقتي إيمان التي لم يكن سهلاً عليّ إقناعها بمرافقتي.
فقال وهو يرسم ابتسامة خبيثة على وجهه:
- ربما اقتنعت بعدما أخبرتيها بأنك ستقابلينني في هذا المكان الذي بات أشبه بجنة عدن!
واصلت إيمان إطراقها وقد أسبلت رموشها وكأنها مرجان من العشب الأسمر. ولم يعرف وسام أكانت إطراقة خجل أم إعجاب بكلامه الذي اعتاد أن يقوله لكل حسناء يلتقيها.
انتبه إلى نفسه وإلى أنهم ما زالوا يقفون عند مدخل المطعم، فدعاها للدخول والجلوس إلى المائدة التي اختارها بعناية كبيرة، ووجّه كلامه إلى إيمان مباشرة:
- إذا الطاولة غير مناسبة ننتقل لأخرى.
رمقته هدى بنظرة نارية تجاهلها. وردت عليه إيمان بلهجة فيها من الثقة والزم ما جعله يقف جامدا مكانه على غير عادته:
- يبدو أن اختيارك موفق.. لكن أفضّل أن ننتقل إلى طاولة أخرى.
واتجهت إيمان إلى الطاولة المجاورة، نظر وسام إلى ناحية هدى ولمح ابتسامة شبه شامتة ترتسم على وجهها. ابتلع الضربة وأسرع ليسحب الكرسي ويقدمه لإيمان والكرسي الثاني لهدى.
تناول ثلاثتهم الوجبة وتبادلوا الكلام وقليلا من الطرائف. في نهاية الجلسة وقفت إيمان وهدى لوداع وسام الذي سارع بالتوجه نحو إيمان قائلا:
- بالكاد تبادلنا الكلام وتعارفنا.
فأجابته إيمان بثقة وكبرياء:
- سعدتُ بالتعرّف إليك، وشكرا على كلّ ما اجتهدت فيه.. لكنني على موعد مع خطيبي ولا أريد أن أتأخر عليه أكثر من ذلك.
شعر وسام بضربة ثانية وكأنها ناجمة عن ارتطام صخرة برأسه بشكل فجائي، أحس بدوار خفيف لكنه تماسك وقال لهدى بما بقي فيه من جسارة:
- متى سأراك ثانية عزيزتي؟
تأبطت هدى جانب إيمان بيد وغادرتا المطعم، وباليد الثانية لوحت له بعلامة الوداع.
زغللت عينا وسام وهو ينظر مليّا إلى هدى وإيمان وهما تخطوان نحو مدخل المطعم ومن ثم تركبان السيارة وتنطلقان، وبقي جامدا في مكانه والدموع قد احتبست في عينيه..
وسام وصديقة صديقته!!
بقلم : زياد شليوط ... 19.04.2024
*شفاعمرو- الجليل