أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ما بين السعودية وإيران ضرورة الحسم!!
بقلم : د. سامي الأخرس ... 14.01.2016

يحاول البعض الاجتهاد في تحديد الموقف السياسي لنا كفلسطينيين من الأزمة السعودية – الإيرانية الأخيرة والتي تتحدد ملامحها بالمذهبية وليس السياسية، حيث إن إيران مع خاتمي ونجاد والسعودية مع الملك عبدالله شهدت مرحلة هدوء وتقارب في العلاقات والود، إلا أن هذه المرحلة سرعان ما انهارات وتدهورت مع حراكات الدول العربية وخاصة مع الأزمة السورية – اليمنية التي دعمت إيران فيها النظام السوري من جهة والمعارضة اليمنية من جهة أخرى على نقيض الموقف السعودي الذي دعم المعارضة السورية من جهة والنظام اليمني من جهة أخرى، وما بين هاتين الأزمتين من أحداث البحرين التي تدخلت فيها السعودية عسكريًا، إلا أن تدهورت العلاقات وتحولت لنزاع وصراع خفي توج بقطع العلاقات الدبلوماسية من قبل السعودية وملحقاتها العربية مع إيران.
في خضم هذا النزاع والصراع المذهبي السني – الشيعي اجتهد البعض منا لتحديد ملامح الانحياز لأي طرف، فانقسمنا كحالنا العام دائمًا وتشرذم النظام السياسي الفلسطيني في تحديد ورسم مواقفه وسياساته من هذا النزاع، مع محاولة بعض الأطراف تمييع موقفها ، ومسك العصا من منتصفها، ولم يحسم الموقف نهائيًا إلا الرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية التي أعلنت انضمامها للحلف ضد الإرهاب والانحياز الكلي للسعودية، مع عدم تحديد مفهوم ومعنى مصطلح (ارهاب) الذي لدغنا نحن الفلسطينيون من سمومه، وتجرعنا مرارته منذ احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948 ولاحقنا بل وتم صياغته من أجل نضالنا وثورتنا الفلسطينية التي لم تتخلص منه حتى كتابة هذا المقال، وهنا لا أعلم ولم يعلم أحد ما هو تفسير السلطة الوطنية لمصطلح (ارهاب) لكي تعلن انضمامها لهذا التحالف، مع الاعتقاد السائد والتقدير الأساسي للمطبخ السياسي في السلطة الوطنية والرئيس بأن انضمامهم للحلف جاء كنتيجة تقارب وتضامن وتعاضد مع السعودية فقط، من باب الحسابات السياسية للسلطة التي تتعرض لهجوم عنيف وضاري من كل الأصعدة بما فيها الصعيد الداخلي المحلي، وعليه فهذا الانحياز أو الإنضمام جاء من واقع تأثير وقوة السعودية الاقتصادية والإقليمية في المنطقة، وأنه يمكن كسبها كآخر الأطراف المتبقية للسلطة، وأن خسارتها يعني خسارة الكل داخليًا، وإقليميًا، وكذلك الحال دوليًا لإدراك السلطة ويقينها أن هذا التحالف أو الحلف يلقى موافقة ورضا الولايات المتحدة الأمريكية، وما كان له أن يتشكل دون الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي أوباما، وعليه فانضمام السلطة للحلف يعني التقارب وإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، والتأكيد على إنها من ضمن منظومة اقليمية تصب في صالح محاربة الإرهاب، وكذلك مقارعة حركة حماس التي تحاول التقارب من السعودية وإدراة الظهر لإيران الداعم الرئيسي لكتائب عز الدين القسام الذراع المسلح لحركة حماس، وأيضًا الموقف الموحد أو المنسجم مع السعودية في سوريا، ورغم ذلك فحركة حماس لا زالت تتخذ نمط أو أسلوب الميوعة في الموقف وفق سياسة التأكيد – التصريح- النفي- الاختلاف في الطرح بين قائد وقائد، وسياستها التي تصب في صالح مشروعها في المنطقة( لا يقتل الذئب ولا يفنى الغنم). أما حركة الجهاد الإسلامي الطرف الآخر من المعادلة الإسلامية في فلسطين فهي قد حددت موقفها الرئيسي من الأزمة السورية منذ فترة بعيدة وإنها اصطفت إلى جانب الموقف الإيراني ضد المشروع الأمريكي في المنطقة، وإنها تصطف إلى جانب قوى المقاومة في المنطقة وعلى وجه التحديد حزب الله اللبناني، وإن إلتزمت الحياد في اليمن وبررت ذلك بأنه شأن داخلي يمني لا يجب التدخل فيه بما ينسجم مع مصلحة القضية الفلسطينية، وكذلك ضمن دوائر التحالف والدعم اللوجستي من إيران، والمبدأ العام لحركة الجهاد الإسلامي وعقيدتها في تحديد موقفها من الصراع مع الكيان الصهيوني.
أما اليسار الفلسطيني بتشكيلاته وألوانه فهو حدد موقفه ومواقفه بناء على مبادئه وارتباطاته التاريخية بالقوى الثورية التقدمية، وأعلن عن رفضه للتدخل الأمريكي أو الإطاحة بالنظام السوري الداعم والحاضن للمقاومة العربية عامة والفلسطينية خاصة، وكذلك رفضه للتدخل الخارجي في اليمن، ورفضه لإنضمام السلطة الوطنية للتحالف تحت مسمى ( محاربة إرهاب) في ضوء هيلامية وغموض المصطلح.
بناءً على هذه المواقف المتباينة، فإن الموقف الفلسطيني الرسمي قد حدد ملامحه أما الموقف الشعبي وغير الرسمي فلا زال يبحث عن ملامح، منقسمًا على ذاته، دون أن يحدد كل طرف الأسس والأساسيات الرئيسية التي يمكن من خلالها أن يصيغ موقف من هذه الأزمة السعودية – الإيرانية. ولكي يتم صياغة قرار بهذا الخصوص وموقف من هذه الأزمة لابد وأن نوضح للرأي العام الشعبي الموقف بناء على مواقفنا من قضايا رئيسية ممثلة في:
أولًا: الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في الصراع بين الطرفين، وأهدافها في المنطقة، ومواقفها التاريخية من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، وأين تقف الولايات المتحدة مع السعودية أم إيران؟ وبالإجابة يمكن تحديد موقف جزئي من موقفنا من النزاع... فهل الولايات المتحدة التي تدعم الكيان الصهيوني عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا وتحارب كل قوة يمكن لها أن تشكل خطر على الكيان الصهيوني، ولاحقت مقاومتنا ونضالنا بكل المحافل ووسمته بمسمى إرهاب، وتنكرت لكل حقوقنا الوطنية، تقف مع إيران وتحالفها المقاوم أم مع السعودية وتحالفها لمحاربة الإرهاب؟
ثانيًا: الكيان الصهيوني وسياساته التقاربية في المنطقة، ومواقفه من القوى الإقليمية المتعددة والأزمة السورية، وهل يصطف سياسيًا مع السعودية أم مع إيران؟
ثالثًا: المقاومة الفلسطينية أين مصلحتها، ووجهتها، ومن الداعم لها سياسيًا، وعسكريًا ولوجستيًا ويدافع عنها، ويرتبط بها ويناصرها، ويرعى النضال الفلسطيني هل هو السعودية أم إيران؟
رابعًا: مصطلح الإرهاب ما هو تفسيره، ومن يقصد به، وما هي معالمه وملامحه؟ وما هي الأسس التي حدد بناءً عليها، فهل مثلًا حزب الله اللبناني والحوثيين مع عبدالله صالح، والنظامين السوري والإيراني إرهابيين؟ أم من المقصود به سعوديًا ؟ وهل يتم بعد الإفراغ من محاربة الإرهاب المعني سعوديًا محاربة المقاومة الفلسطينية التي ترتبط بعلاقات نضالية مع القوى سالفة الذكر؟
خامسًا: القوى المتطرفة والممثلة في القوى التي تتخذ من المواقف الإسلامية الراديكالية عقيدة في تعريف مفهوم الجهاد وعلى أساسه طرحت شعار تحرير الأقصي عبر كابول ومقديشو ولاجوس والجزائر ومن ثم بغداد وطرابلس ودمشق ومن ثم باريس ومدريد وصولًا إلى صنعاء مع العلم أن المسافة بين هؤلاء والأقصى بضع أميال، بل أن هذه القوى تستقطب الشباب الفلسطيني الذي يقارع الكيان الصهيوني للقتال في سوريا والعراق وليبيا. وكذلك فإن هذه القوى الراديكالية في منهجها وعقيدتها أن كل القوى الوطنية والإسلامية حركات خارجة عن الدين ومرتدة ويتم تكفيرها.
سادسًا: القومية العربية والمذهب السني، أي أن الخلفية القومية العربية التي توحدنا مع السعودية بما إنها دولة عربية وناطقة بلغة الضاد يدفعنا لحتمية وضرورة الانحياز لها ضد بلاد الفرس – حسب الوصف- رغم أن الإسلام لم يميز بين من اعتنقه " لاف رق بين عربي وإعجمي إلا بالتقوى" ووحد بين الأنساب والأعراق، فهل رابط القومية مبرر ودافع أصيل لنطمس كل الأسئلة والإجابات السابقة ونتغاضى عنها ونناصر آخانا ظالمًا أو مظلومًا حت وإن كان أخانا يناصر ويعادي ويحارب من يقف ضد عدونا الصهيوني وراعيته الولايات المتحدة الأمريكية؟ أما فيما يتعلق بالمذهب السني الذي يجمعنا مع السعودية فهو نفس المذهب الذي جمعنا مع قوى مثل القاعدة وداعش حاليًا، فإن كان هذا المذهب هو الموحد لنا بغض النظر عن أي أسباب أخرى فلماذا وقفت الدول السنية سابقًا ضد تنظيم القاعدة وحاربته وزجت بالآلاف من أعضائه في السجون بل وأعدمت السعودية العشرات منهم، وكفر علماءها هؤلاء وأخروجوهم من الملة وجردوهم من جنسياتهم؟
فالقضية والمسألة الحسابية في حدود المصالح تتطلب منا أن نصطف في حدود مصالحنا الوطنية التي تحدد لنا الصديق من العدو، وتدفعنا لإختيار معسكرنا الذي يتوافق وقضايانا الوطنية في ضوء الحسم بين الخيارات الثلاث المطروحة" مع، ضد، محايد".

1