أم تعانق ابنتها وتتفحمان.. أب يحتضن أولاده الثلاثة ويتحوّلون إلى رماد.. وآخر يبحث عن ابنه تحت الردم.. وأخر يحفر عمقا لعله يجد شقيقه تحت الأنقاض.. وعائلات بأكملها تبحث وسط الغابات المحروقة عن ذويها.. جثث وسيارات وحيوانات محترقة بالكامل".بهذه الكلمات افتتحت صحيفة "الشروق" الجزائرية واسعة الانتشار، تقريرها عن الخسائر التي خلفتها الحرائق التي شهدتها مناطق عدة هناك خلال الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها 38 شخصا على الأقل.وأعلنت الحماية المدنية الجزائرية، الجمعة، عن السيطرة على غالبية الحرائق التي اجتاحت منذ يومين مناطق حرجية وحضرية في شمال شرق البلاد، بالرغم من اندلاع حرائق جديدة في منطقة الطارف بالقرب من الحدود مع تونس.وقالت الشرطة في المساء إنها "أغلقت العديد من الطرقات في الطارف بسبب عودة النيران".وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي عمليات إجلاء لأسر في قرية واد الحوت القريبة من غابة في منطقة القالة.وتصف الصحيفة الجزائرية المشهد على طول الطريق الرابط بين الطارف والقالة (على الحدود التونسية)، فقد غطى السماء دخان كثيف وتفحمت أبقار وسط حقول سوداء، وبقيت أخرى جاثمة بلا حراك، وتكدست جثث الغنم فوق بعضها البعض، وتهاوت أشجار الزيتون والفلين العملاقة، واحترقت المنازل والسيارات عن آخرها، وعم الخراب والسواد".وكانت الحماية المدنية كتبت على "تويتر": "على الساعة الواحدة (التوقيت المحلي) تعمل وحدات الحماية المدنية حاليا على إخماد سبعة حرائق على مستوى ولايتي الطارف (4 حرائق) وبولاية سكيكدة (3 حرائق)" في شرق البلاد.وصرّح العقيد فاروق عاشور المسؤول في الحماية المدنية الجزائرية في وقت سابق، بأنه "تمّت السيطرة بالكامل على كلّ الحرائق".وارتفعت الحصيلة المؤقتة إلى 37 قتيلا، ثلاثون منهم في الطارف على الحدود مع تونس بينهم 11 طفلا وست نساء، فضلا عن خمسة آخرين قضوا في منطقتي سوق أهراس (شرقا) وقتيلين في سطيف (شرقا). غير أن عدة وسائل إعلام أفادت بوفاة ضحية إضافية، هو رجل في الثانية والسبعين قضى في قالمة (شرقا).ويرى خبراء أن نقص التجهيزات وبخاصة الطائرات وكذلك عدم تحصين الغابات بالشكل الجيد، هو من أهم الأسباب التي تتسبب في اندلاع الحرائق.وكان صيف 2021 الأقصى في تاريخ الجزائر الحديث، إذ قضى أكثر من 90 شخصا في حرائق حرجية اجتاحت شمال البلد آتية على أكثر من 100 ألف هكتار من الأحراج وخصوصا في منطقة القبائل.وتمت تعبئة أكثر من 1700 عنصر إطفاء لاحتواء حوالي سبعين حريقا حرجيا أسفر عن نحو مئتي جريح، من بينهم مصابون بحروق خطرة.وتحدثت وسائل إعلام عن مفقودين بدون أن يتم تأكيد ذلك بشكل رسمي وسيتم القيام بتحاليل الحمض النووي على بعض الجثث التي لم يتم التعرف عليها بعد.أحد رعاة الغنم كان يبحث في أكوام الرماد، وعندما سئل عن ذلك أجاب بأنه يبحث عن ابنه الذي كان يرعى الغنم في المنطقة لكنه لم يعثر على جثته بعد.في حين قال محمد إنه يبحث عن شقيقه بعد أن عثر على بقايا هاتفه النقال بالقرب من الغابة المحترقة، وقد كان يحفر بيديه عله "يعثر على جثته حتى يرتاح ويدفنها تحت التراب بدلا من تناثر أشلائه بين الرماد".وقضت النيران على أسر بأكملها ولقي نحو 12 شخصا حتفهم وقد حاصرتهم "النيران" داخل حافلة أمام حديقة حيوانات القالة في منطقة الطارف.يروي المزارع حمدي الجميدي (40 عاما) -الذي لا يزال مصدوما بعد أن نفقت مواشيه- مأساته، ويقول: "هذا مصدر رزقنا، نحن مزارعون، نربي المواشي كالأبقار والأغنام والدواجن. لا نعرف ماذا سيحل بنا ولا كيف سنحصل رزقنا"، وفق وكالة "فرانس برس".وغير بعيد منه كانت المزارعة غزالة حاضرة حين احترق منزلها ونفق كلبها وقطتها، وقالت: "جاء الناس وطلبوا مني إخلاء المنزل لأن هناك خطرا أن أحترق، ولكن لم أهتم... أخرجني المنقذون مع بعض الحيوانات".وتابعت متسائلة: "لا أعرف أين أذهب الآن، هل يجب علينا البقاء في الحقل أم في الغابات أم في الجبال؟".!!وتم تنظيم حملات لجمع الثياب والأدوية والغذاء لتقديمها إلى الضحايا. وقد انتشرت دعوات تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي لطلب المساعدة وتوجيه التبرعات لمستحقيها.ووصلت الخميس شاحنات تحمل أطنانا من المساعدات الإنسانية إلى منطقة الطارف آتية من مناطق عديدة مجاورة، بحسب بيان لسلطات المنطقة.وتضامنا أيضا، تأجلت كل الأحداث الفنية في البلاد إثر المأساة.وفتحت وزارة العدل تحقيقاً لتحديد ما إذا كانت بعض الحرائق التي اندلعت مفتعلة.وأعلن مكتب المدعي العام في سوق أهراس حيث لقيت أسرة بأكملها مصرعها في النيران ودُفن أفرادها الخميس، عن إلقاء القبض على "أحد المخربين" في غابة بالقرب من هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة.وفرّت أكثر من 350 أسرة من منازلها وتمّ إخلاء مستشفى في منطقة حرجية.وأوقفت قوات الدرك ثلاثة رجال بالقرب من الطارف بتهمة إضرام النيران في محاصيل جيرانهم الزراعية.لكنّ السلطات لم توضح ما إذا كانت هذه النيران قد تسبّبت في اندلاع الحرائق المروّعة التي شهدتها الولاية خلال اليومين الماضيين، أم لا.
الجزائر..الجزائر :مشاهد مروعة تكشف عنها حرائق الجزائر.. جثث وسيارات متفحمة!!
21.08.2022