نضطر إلى العودة لمناقشة بعض القضايا وإن كان يفترض بأنها حسمت منذ خمسة عشر قرناً بقرار إلهي، على الأقل في الشرع الإسلامي.
قبل أيام عُدتُ رجلاً مريضاً من أقربائي، وما أن جلست وسألته عن حاله، حتى تنهد وقال رغم الألم: «الحمد لله أنني أنصفت ابنتي حبيبتي قبل أن أموت»! ظننت أنه ظلمها بشكوك في تصرفاتها أو أنه رفع يده عليها، إلا أنه أوضح قائلاً: «منذ مرضت بهذه المرضة الصعبة (مرض خبيث)، نظرت حولي فلم أجد سوى زوجتي وابنتي، أما أولادي الثلاثة الذكور وكنائني فكل واحد مشغول بنفسه، يزورونني مثل الضيوف ويعودون لبيوتهم». ثم استأنف: «قبل أيام طرقت ابنتي الباب ودخلت وبيدها طنجرة طعام، أطعمتني رغما عني، وحلقت لي ذقني، ونظفت البيت كالعادة، ساعدت والدتها بكل شيء، ضربتُ كفي على جبيني وقلت…يا ويلي يا ويلي ..كيف فعلت هذا بحالي!».
سألتهـ ما هو الذي فعلته بحالك؟
فقال – قسمت ميراث البيت والأرض وكل ما أملك بين أولادي الذكور الثلاثة ولم أترك لها شيئاً، اتصلت بالمحامي وقلت له تعال عندي الآن ضروري جداً، لم أنم كل الليل، خشية أن أموت قبل تعديل وصيتي، في اليوم التالي جاء المحامي وأعدت صياغة تقسيم الميراث من جديد، أعطيتها حصة، وسلمتها نسخة عن الوصية، قلت لها.. يابا هذه ال 350 متراً من الأرض لك، قالت لي: «يابا الحمد لله أنا عندي بيتي، دع حصتي لإخوتي! قلت لها هذه حصتك حسب شرع الله، أنت حرّة، تبقينها لأولادك أو تبيعينها لإخوتك (ثمنها حوالي 100 ألف دولار)، حتى لو ذهبت بها رحلات وشمّات هواء فهذا حقك!».
منشورات متكررة في وسائل التواصل الاجتماعي تكتبها بعض النساء بمرارة بسبب حرمان ذويهن لهن من الميراث بحجة أن «زوجها ليس بحاجة»، يكتبن مباشرة أحياناً، وبحياء وبصور أدبية مبهمة أحياناً أخرى، وعندما يدور حوار خاص معهن، يتضح أنهن يشعرن بمرارة كبيرة يخجلن من التصريح بها أمام ذويهن، فحصة المرأة من الميراث كفلها الشرع والقانون المدني، سواء كان زوجها ميسوراً أم فقير الحال، فهذا حقها، هل حُرم رجلٌ من حقه في الميراث لأن زوجته ميسورة الحال مثلاً؟ ثم من يعرف ما تخبئه الأيام لهذه السيدة أو تلك؟!
ثم من قال يا محترم إن الميراث يقدّم فقط لمن هي بحاجة! هذا إن صح أن هذه حجتك! علما أن كثيرات بحاجة حرمن من الميراث بالتخجيل، أو بترضية بسيطة أقل بكثير من نصيبهن . تزداد الحاجة للإنصاف في الميراث مع تفاقم الضغوطات الاقتصادية الكبيرة وغلاء المعيشة في شتى بقاع فلسطين، وتزداد الحاجة للأرض حيث السلطات الصهيونية تحاصر القرى العربية، والنظام العنصري لا يبيع أرضاً للعرب بل يحاربهم على ما تبقى لهم من أرض.
هذه الضائقة أدت في حالات كثيرة، إلى شكاوى من الأحفاد مطالبين بحق والدتهم أو جدتهم أو جدهم من جهة الأم، وعندما رفض الأخوال أو أولاد الأخوال منحهم حقوقهم ذهبوا إلى المحاكم المدنية الإسرائيلية وربحوا أكثر من حصتهم المنصوص عليها في الشرع الإسلامي، لأن القانون الصهيوني يساوي بين الذكر والأنثى، ومنهم كثيرون كانوا فقراء معدمين فتحسن حالهم!
أحدهم في الجليل يملك حوالي خمسة عشر دونماً من الاراضي الزراعية، ابتسم له الحظ، وصارت الأرض منطقة بناء، وهذا يعني أنه أصبح مليونيراً، كتبها كلها لابنه الذكر وحرم بناته الثلاث بحجة أنهن لسن بحاجة، ثم سافر إلى الحج، وهو يدري بأنه لم يقم بواجبه الديني ناهيك عن الأخلاقي تجاه بناته! إلا أنه أحضر من مكة قلادة ذهبية لكل واحدة منهن كهدية في محاولة بائسة لتعويضهن واسترضائهن! وطلب من أحد الشيوخ ليفتي له بالأمر (وكأنه لا يعرف)، فأوضح له بأن حصص الإناث في الميراث واضحة وليست مزاجاً! وهذا واجب ديني وليس معروفاً من حضرته، مثله مثل الواجبات الدينية الأخرى، والهدية هي هدية، وليست تعويضاً عن الميراث.
هذا نابع أصلاً من النظرة الدونية المتخلفة للمرأة والتي ما زلنا نعيشها، والعجيب الغريب أن الخطب في المساجد تتمركز حول نظافة الجسد وطهارته عشرات المرات في السنة الواحدة، ولكن قضية توريث النساء تبقى أمراً مسكوتاً عنه، ونادراً ما تُذكر في خطبة، كما يبدو بتواطؤ واضح من رجال الدين مع التيار الاجتماعي السائد!
ورغم كل تضحيات المرأة لأجل أسرتها ومجتمعها، إلا أن هذا لا يشفع لها بأن تحصل على حق منحه لها رب العالمين، فما هو الشعور الذي ستشعر به عندما ترى أن القانون الصهيوني والغربي عموماً ينصف المرأة ويمنحها مثل الذكر، بينما والدها وأشقاؤها يبخلون عليها بحق فرضه الله لها، وما هي نظرتها لهذا الذي يصوم ويحج ويصلي ثم يحرمها من حقها في الميراث.
يمارس الأشقاء عمليات تخجيل للشقيقات للتنازل عن الميراث بتوقيعهن، خشية أن تطالب يوماً بنصيبها أو أن يطالب أولادها بنصيب والدتهن، مستغلين حنانها وطيبتها، ولكنها كثيراً ما تفعل ذلك بدون ارتياح وربما بمرارة، وقد تندم فيما بعد، خصوصاً إذا قام الشقيق بتبذير هذه الورثة على أمور تافهة بينما هي محرومة من أمور أساسية.
حصة المرأة من الميراث مهما كانت بسيطة تسهل لها حياتها إذا كانت متزوجة، وتبقي المحبة بين أبناء العائلة وفروعها، وإذا كانت عانساً فقد يساعدها هذا حتى في إيجاد العريس! فعندما تكون المرأة ميسورة الحال تتحسن فرصها وتبتسم قسمتها ونصيبها أكثر.
في بحث ميداني بسيط يتضح أنه كلما كانت العائلة تملك أكثر كان الذكور فيها أكثر ظلماً للمرأة في قضية الميراث سواء بالحرمان المباشر أو من خلال فرض التنازل بالتخجيل، لأن حصتها تكون أكبر. عموماً فإن حرمان الأنثى هو السائد في فلسطين أو أنه منقوص، إلا في حالات قليلة ونادرة حيث يقسم الميراث حسب الشرع الإسلامي وقلة نادرة جداً تورث حسب القانون المدني. وكما يختم أخونا الكروي النرويجي تعقيباته أقول.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
«المحترمون» يضطهدون المرأة أكثر…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 28.04.2016