قال بومبيو إن خطة السلام الأمريكية التي سيتم طرحها ستستند إلى الحقائق على الأرض والتقييم الواقعي. وقد استثنى المواضيع التقليدية التي كانت تتمحور حولها نقاشات البحث عن سلام وحل القضية الفلسطينية مثل القدس والحدود والاستيطان.
واضح أن المواضيع التقليدية لم يصل الجدل فيها إلى سلام في المنطقة العربية، ولهذا لا بد، بالنسبة لأمريكا، من البحث عن مقاربة جديدة. وهذه المقاربة تنطلق من الحقائق على الأرض والتقييم الموضوعي.
ما هي الحقائق على الأرض؟ باختصار هي التالي: الصهاينة يستمرون بمصادرة الأراضي وقتل الفلسطينيين وهدم البيوت وتخريب عناصر ما يمكن أن يكون الاقتصاد الفلسطيني. وغزة محاصرة وأناسها يعيشون ضائقة معيشية قاسية جدا. أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تتزايد، ومن المحتمل جدا أن يقيموا حكما ذاتيا خاصا بهم في الضفة. أما القدس فقد تهودت، وتهويد الضفة الغربية يجري على قدم وساق. العمال الفلسطينيون يرتحلون يوميا إلى العديد من المستوطنات الصهيونية طلبا للرزق، وهي مستوطنات تحتل مكانة الشمس بالنسبة للقرى العربية الباحثة عن عمل. ومن الناحية الأمنية، الصهاينة يصولون ويجولون في المنطقة. هم يهيمنون أمنيا على كل أنحاء فلسطين الانتدابية عدا قطاع غزة الذي يحاصرونه، وهي القوة الأقوى في المنطقة التي لا يتحداها أحد عدا حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة.
من الناحية العربية، الفلسطينيون المنضوون تحت منظمة التحرير والمؤيدون لأوسلو يعترفون بالكيان الصهيون وهم ينسقون أمنيا مع جيش الصهاينة ويطاردون إخوانهم الذين يفكرون بتنفيذ أعمال ضد الجيش الصهيوني والمستوطنين. في الضفة الغربية، هناك اقتصاد منهار، وهناك تطبيع مع الكيان الصهيوني وتنسيق مع الحكومة الصهيوني في كافة مجالات الحياة. أما العرب فيلهثون وراء إقامة علاقات مع الصهاينة. منهم من اعترف بالكيان الصهيوني مثل مصر والأردن، ومنهم من يدفع بقوة بالتجاه إقامة علاقات ودية ، بل أيضا علاقات أمنية وعسكرية مع الأجهزة الصهيونية. والعرب لم يعودوا يكترثون بعداء الصهاينة، وحولوا أنظارهم باتجاه إيران وهم مستعدون للتحالف مع الصهاينة لمحاربة إيران. ولم يبق من يتحدث ضد الصهاينة ويعبر عن عدائه معهم سوى سوريا وبعض الشعوب العربية مثل الشعب العراقي والتونسي واليمني، والجيش السوري الآن منهك وغير قادر على المواجهة العسكرية لا مع الصهاينة ولا مع الأتراك.
الحقائق على الأرض تؤيد ما يقوله مومبيو. العرب استسلموا ويخطبون الآن رضا الكيان الصهيوني، ولا يريدون محاربة هذا الكيان وغير قادرين على محاربته. الكيان الصهيوني يعيش بأمان وسلام، ولا خطر عليه إلا من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية. ولهذا جهود السلام ستنحصر في أمرين وهما: زيادة التحصين الأمني للصهاينة ليتلافى الجميع أي خطر أمني يمكن أن يواجهه الصهاينة. ولهذا ضم الجولان وتهويد الضفة الغربية يشكلان خطوتين هامتين في تدعيم الكيان الصهيوني. أما الأمر الثاني فالانشغال في حبك المؤامرات وحشد الطاقات العربية والصهيونية للقضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين. هكذا تستقر المنطقة ويرتضي العرب بخيبتهم، ويرتضي الصهاينة بأمنهم واطمئنانهم.
هذا هو التقييم الموضوعي للحقائق على الأرض. ببساطة، يقول بومبيو للعرب: إذا كنتم عجزة متهاوين وغير قادرين، فلماذا لا تقرون بالحقائق الموضوعية علنا، وتنفضوا أيديكم من فلسطين، وتتوقفوا عن إصدار التصريحات الجوفاء الخاوية التي لا تضر الصهاينة ولا تفيد الفلسطينيين؟ فالسلام خير للصهاينة وللفلسطينيين من حيث أن الصهاينة سيرتاحون من التهديد بالعنف، والفلسطينيين سيوظفون جهودهم للبحث عن لقمة الخبز بدل الجري وراء سراب السياسيين الماهرين بصناعة الأوهام. هكذا تتحقق مصالح الطرفين الصهيوني والفلسطيني.
نأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد في قاموس ترامب وأعوانه مفردات مثل الكرامة والعزة والاستقلال والإرادة الحرة. في قاموسهم مصالح وفوائد مالية ورفاهية حياة واستثمار واستغلال وأرباح.
السلام المنطلق من الواقع!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 28.03.2019