أثارت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» الأسبوع الماضي، من خلال قناتها الثالثة – الموجهة عموماً للشباب – موجة من نقاشات حادة ما زالت مستمرة على وسائط التواصل الإجتماعي حول موجة رُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) التي تصاعدت بحدة غير مسبوقة بعد توظيفها في الحملات الإنتخابية الأمريكية، وذلك إثر عرضها البرنامج الوثائقي الجديد للمخرج والمنتج المعروف الحائز على جوائز عديدة (ستيف آتكنز) بعنوان: (ولايات الكراهية المتحدة: الهجوم على المسلمين). بالطبع فإن بريطانيا وكثيرا من الدول الأوروبية تعيش بدورها أجواء (إسلاموفوبيا) متصاعدة، خصوصاً بعد موجات اللاجئين المتلاحقة والهجمات الإرهابية على أهداف مدنية في فرنسا وبلجيكا، وهو ربما ما يفسر سرّ الإهتمام غير العادي، الذي أبداه الجمهور من خلال تفاعله مع طرح الفيلم.
آتكنز، حصل على فرصة نادرة للإقتراب من الجماعات الشعبية الأمريكية المناهضة للإسلام والمسلمين في «فينيكس – أريزونا» وفي «إرفينغ – تكساس»، وقدم نماذج من التوترات المتصاعدة، بينهم وبين المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة على تنوعها: المهاجرون المسلمون المسالمون، وأيضاً أتباع دعايات العنف والكراهية و(الخلافة) إلى جانب المهاجرين السوريين الجدد، وكذلك (أمة الإسلام) – وهي تجمع عرقي أكثر منه ديني لذوي البشرة السوداء، لكنه يعتبر وجهاً آخر للجالية المسلمة.
كراهية باقية وتتمدد
الصورة، التي ينقلها آتكنز أقل ما يقال فيها إنها مثيرة للرعب عن أجواء توتر مستمر بين مكونات المجتمع الأمريكي، تصاعدت وبحدة منذ انطلاق السباق إلى البيت الأبيض في نهاية العام الماضي. فبحسب تقرير أكاديمي صدر عن جامعة «جورجتاون» فإن 180 حادث عنف بدوافع الكراهية سجلت منذ بدء الحملات الإنتخابية منها 53 حادثاً في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحده، بعد حادثة إطلاق النار في سان بيرنادينو، التي قام بها زوجان مسلمان متطرفان.
«تعيش الولايات المتحدة أجواء كراهية ضد الإسلام أسوأ حتى من تلك التي سادت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول»، يقول آتكنز. «لا شك أن اعتداءات باريس وبروكسل لم تكن لتساعد أبداً، لكن تصريحات (دونالد ترامب) المرشح الجمهوري للإنتخابات هي ما يتسبب في أكبر الضرر». دونالد ترامب منح المتطرفين صوتاً عالياً ومنحهم ثقة كبيرة للدخول في المجال العام متحدثين عن ضرورة حماية أرض الآباء من عدوانٍ صار حتمياً من قبل المسلمين، الذين – وفق تصريحات بعض المتطرفين في الوثائقي – يؤمنون بالكتاب ذاته، الذي تؤمن به «داعش»!
آتكنز إلتقى – حاملا كاميرته – مع مجموعتين محليتين من هؤلاء المتطرفين: جماعة (إقصفوا الإسلام)، ومقرها ولاية أريزونا، و(رابطة العلاقات الأمريكية – الإسلامية!) ومقرها ولاية تكساس. في هاتين الولايتين تركز عالٍ نسبياً للجالية الإسلامية في أمريكا. وللتذكير فإنه في «إرفينغ – تكساس» تم القبض على محمد، الصبي ذي الأربعة عشر عاماً بتهمة إحضار قنبلة إلى المدرسة، بعد أن تصور مدرسوه أن مشروعه المدرسي لحصة العلوم قد ينفجر في أية لحظة. الغالبية الساحقة من المتطرفين في هاتين المجموعتين – بحسب الفيلم – هم من ذوي البشرة البيضاء، في منتصف أعمارهم وكثيرون منهم خدموا سابقاً في الأجهزة الأمنية في الجيش بالذات.
نُقل عن آتكنز قوله إنه «صُدم بتطابق مواقف هؤلاء المتطرفين، الذين قابلهم مع وجهات نظر السيد ترامب المعلنة، فبالنسبة إليهم نموذج المسلم هو فقط (نموذج الداعشي) كما تصوره وسائل الإعلام وهم يعتبرون أنفسهم وحدهم الأمريكيين وأصحاب البلاد، رغم أن بعض مواطنيهم المسلمين، ربما عاشوا في الولايات المتحدة لعقود وولدوا فيها».
متطرفون قلة ومتعاطفون كثر
يحذر الرجل مشاهديه البريطانيين من أخذ الأمور، التي سيشاهدونها في الفيلم بأسلوبهم الساخر المعروف. صحيح أن كل ما يغطيه الوثائقي هو أنشطة هزيلة يقوم بها أفراد يبدو عليهم الخبل ربما – وكل ما يفعلونه هو التظاهر بأعداد قليلة أمام المساجد والمؤسسات الإسلامية وإلقاء بعض الشتائم على المسلمين العابرين، لكن «ترامب نفسه كان ظاهرة سخيفة قبل سنة واليوم هو مرشح الحزب الجمهوري للإنتخابات الأمريكية».
والحقيقة أن ما يقلق ليس أعداد المتظاهرين، التي ما زالت قليلة حتى الآن، بقدر مساحة الدعم والتعاطف اللذين يلقاهما هؤلاء في أوساط الأمريكيين عموماً.
آتكنز عرض علينا جانباً من تعاطف السيارات المارة مع مظاهرتهم أمام أحد المساجد. خلال ساعة مثلاً: 16 مؤيدا مقابل 2 فقط من المعارضين. كذلك عندما اقتربت متظاهرة وحيدة تحمل لوحة ترحب باللاجئين، تجمع عليها المتطرفون وقالوا لها أنت لا تفهمين: إذا إنتصر هؤلاء الرعاع فسيتخذون منك رقيقاً جنسياً، كما تفعل «داعش» اليوم في سوريا والعراق.
يقدّم الفيلم إحصائية صادمة فعلاً: 55٪ من الأمريكيين يحملون نظرة سلبية عن الإسلام والمسلمين. وينقل لنا أن أحاديث أحد القسيسين المتطرفين الذين يدعون إلى الكراهية ومعاداة الإسلام واسمه (روبرت جيفريس) تستقطب على الأقل أحد عشر ألفاً من المتابعين في دالاس كل أسبوع، مستدعياً نسخة متطرفة من الدين المسيحي في مواجهة النسخة المتطرفة من الإسلام، كما تمثلها «داعش».
تحدث آتكنز في فيلمه إلى عدد من المسلمين يعيشون في أمريكا، أغلبهم تحدث عن مضايقات يومية – بالطبع لا تصل في غالبيتها العظمى إلى دوائر البوليس – كالشتائم والإهانات والمقاطعة، بل والتلويح بالسلاح والمضايقات على الطرق، لكن النساء المسلمات يبدين هدفاً أسهل على العموم، لا سيما إذا كن محجبات أو منقبات.
لكن ما يضيف خطورة نوعية على معنى هذه الإعتداءات هي قوانين الأسلحة في الولايات المتحدة. ففي ولاية تكساس تم حديثاً توسيع نطاق صلاحيات حمل ونوعيات الأسلحة التي يمكن أن يقتنيها الأمريكيون. وهكذا فإن هؤلاء المتطرفين يتجولون قرب مساجد وتجمعات المسلمين حاملين أسلحة خطيرة وبنادق آلية ورشاشات يمكن أن تتسبب بمجزرة خلال ثوانٍ.
وكأنها برلين عام 1936!
الإمام عمر سليمان، وهو مسلم (معتدل) وإمام مسجد في ضواحي دالاس – في تكساس – قال لآتكنز، عندما سأله عن الأفق في ظل الفوز المحتمل للسيد ترامب بالمنصب التنفيذي الأهم في الولايات المتحدة إنه بالرغم من إعتقاده بقدرة الشعب الأمريكي في النهاية على إتخاذ القرار الأفضل، فإنه مع ذلك «قلقٌ ليس على مستوى عائلته ومجتمعه المحلي فحسب، بل على مستوى المسلمين جميعاً في أمريكا في ظل صعود الإسلاموفوبيا». كيف تريد من المسلم الأمريكي أن يشعر بالأمان ومرشح الرئاسة الأهم يطالب بأن يحمل المسلمون شارات تميزهم عن بقية الأمريكيين. «ما أشبه ذلك بأجواء ألمانيا في 1936»، يتحدث صحافي يهودي غاضب لآتكنز. خطة عمر للتعامل مع الكراهية هي التعارف الشخصي. هو يقول «إن الدراسات أثبتت أن منسوب الكراهية يتراجع بشكل حاسم عندما يتعاطى الأفراد من الطرفين مع بعضهم بصفة شخصية». لكن ذلك بدا كمن يحاول نقل البحر بقبعته!
أين ستأخذنا هذه الإسلاموفوبيا المستعرة؟ وإلى أين يقودنا المتاجرون بالدين والوطنية من الطرفين؟ وهل سيؤدي الاستقطاب المتصاعد إلى دماء بريئة تجري على الجانب الغربي من الأطلسي؟
أسئلة كثيرة يطرحها هذا الوثائقي الهام، والإجابات على تعددها، أبعد ما تكون عن التفاؤل، للأسف!
ولايات الكراهية المتحدة: ترامب زيت على نار «الإسلاموفوبيا»!!
بقلم : ندى حطيط ... 02.06.2016
إعلامية لبنانية..المصدر: القدس العربي