الوحش في الروح
لم يكن هناك من شهود
كلها في المخيلة
وحش متفوق
ظهر فجأة في أحراش الروح،
في أوطان الغانية وتحت مصابيحها الساهرة.
قذف القصائد في الريح
وجلد الأطفال على العتبات،
ثمَّ اعتَلَى مِنَصّات الوطن،
وأخذ يغني كالأبرياء.
ها هو القلب ينفجر،
والوحش يتمادى في أحضان الوطن،
والوطن مكسور،
ومطوي تحت الأجنحة العالية.
وطني أسير خلف كمامات الإرهاب،
عكر كنهر تخوضه الجياد.
وطني يعوزه الماء والجنون،
تعوزه الضغينة.
كي يصير ذئباً ضارياً على الانكسارات.
***
أخافتني ظلمة الهجر وبرودته،
والحياة المتسخة داخل البيوت المكتظة العليلة
والحمامات بلا ستائر أو مواقد
والجلاد يدخل ويخرج كزوج وديع.
الفجر العليل يركض على ضلفات النوافذ.
لم يكن أكثر رقة من أماكن التعذيب.
فجر مليء بالجري والقذف والتدافع والغبار.
أنام في رحابه
فتموت نقاوتي.
لقد تداخلت السنون
وانهزمت الطفولة.
طبقة كثيفة من الحب موطن
مقذوفة على بلاط المباغي،
حيث الأفخاذ العارية
خدم وبغايا،
سافرات ومستترات..
والعيون المائلة تشنجت من الرغبة.
كيف أتحدث عنها
وأنا لا أجرؤ على النظر إليها؟
ولكن كم غَمَرتَها بالقبلات
يا قلبي العليل:
حملت عنها آلاماً قاسية
أعطيتها روحي
فوجدتها مبصوقة في الجحيم.
***
هناك في الغرف الواطئة
والمنسية،
حيث تبدو جذور العالم سوداء،
حيث ملاءات المسارح العتيقة،
الملاءات الحمر الممزقة،
شهدت جنون الحب،
وتشهد الآن انهياره.
***
أمي،
أيتها القديسة،
ارحميني.
منذ أجيال وأنتِ تنامين في أعماقنا،
تحلمين بالمعجزات...
ومع كل مساء
أسمع حشرجتك الدنيوية
تختلط مع خطوات القدر المترهل،
وهو يتهادى في الخارج
وينتظرك بعقاله المرقط.
***
تختبئين في قبور الأولياء
لتطيلي فرارنا
تتكاثرين،
فنخرج من جسدك نساء ميتات.
تطاردين سرباً من الملائكة
كاشفة عن جراحك العميقة،
فيلاحقك بائعو البخور
بدخانهم العقيم.
***
أراك هابطة سلالم الروح
وأنت بلا حراك. تموتين ثم تبعثين فينا
نساء فانيات.
فلأتهاو كشراع لا أمل له بالإقلاع،
يبقى الوحش في روحي
يرفس ويضرب
خبط عشواء،
والمضخة الصدئة تستغيث:
ما لهذا الدم يسيل؟!
ونحن على الأسرَّة والأرائك
وفي الأرحام،
لم يعد السيِّد سيِّداً،
ولا الحب حباً.
ولاحت لي الحياة الساقطة المتدنية من بعيد
مسرعة
مسرعة
كل شيء يدور فيها.
من قذف بها
إلى قلب تلك الغابة الهادئة؟
الأطفال يصرخون
ويرتجفون
كأن ريحاً عاتية صفعتهم.
رياح كانون، تدفعها رياح الغانية.
***
هُزَّني أيها الغضب.
أنا شجرة الدهشة،
وهذا خريفي.
الحب والشعر يدعوانها
لكي تكون غباراً.
فصل الحب
نعيش فصل الحب
كالحشائش،
نبحث عن أرض صغيرة
وعن حلم صغير.
وحين يأتي المساء
ننهض كالضباب فوق الأعشاب
نبحث عن أشعارنا
وعن دموعنا الذابلة.
إطْوِني كما تَطوي أوراق الشِّعر،
كما تطوي الفراشات ذكرياتها
من أجل سفر طويل.
وارحلْ إلى قمم البحار
حيث يكون الحُبُّ والبكاءُ مُقَدَّسَين.
***
أبداً نحمل فوانيس الندم
نبحث عن ذاكرة الطفولة.
لسنا الجسد،
ولسنا الجريمة المحمولة،
ولا الرُّوحَ الإلهية.
حيث تتعرى الأحلام
ويستعر حوار الدم
ارسم وجهي،
وأرسو..
... الليل نشيدٌ شجيٌ
وليلة المحبين غابة مسحورة
لنشهد لليل الصمت.
وليكن ذلك عربون الجنون.
لتكن أبواب الانفلات واسعة.
واسعة أبواب الهرب
فالزمان ضيق،
وأضيق منه جسد المحبين.
***
أنطوي فوق جروحي
لأفكر برائحة البحر والغابات
برائحة الحزن والمطر
بالرائحة المنسية فوق الجلد
وأترك كلماتي ترحل
خارج الروح
حاملة سهامها الأخيرة
من أجل مجد الحب.
***
.. الحلم يرتعش في طيات القلب
فأية وداعة تنهبني
حين أعبرك من الممرات الخلفية؟
أي طائر سيغرد أنشودته؟
***
النهار غريب
في مرافئ العاصفة.
والبحر يهدر
في سفن المساء.
لكنني أرسو بجناح النسيان،
خشبة تحمل عروقاً،
تلتهب،
ثم أرجعك إلى صيحتي
وأتعفن في انتظارك.
***
كان النهار يحوم حولنا
كما يحوم الطائر
ساعة الاحتضار،
ويفرش جناحيه الثلجيين
كما ينشر البركان رماده الملتهب
بين النجوم.
كنا نسرع تحت المطر
نسرع ولا شمس لنا
ننشر تحتها أجسامنا الرطبة،
لا شمس لهذه البنفسجات
ذات الأعناق الملوية.
بأقدامنا المنهكة
كشفنا الصقيع عن وجوه الموتى
حين كان الليل يحمل بيارق الزهو.
***
وتمر أجراس الكآبة
مع المساء
حين تفتح المرارات عيون القرى
كفوهات مليئة بالدم
أنحني لصخب المياه الخفية
وأرفض عبودية الدمع
وعبودية النار.
لا شيء غير الجمر
كُلُّ أحِبّائي فيه
أو راحلون إليه...
مختارات!!
بقلم : سنية صالح ... 22.12.2015
سوريا