كتاب ( بحثي) نقدي يدرس( رؤية) عدد من الروائيين الفلسطينيين لحتمية عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى وطنه: فلسطين الكاملة، ورفض النفي القسري الصهيوني لعرب فلسطين خارج وداخل وطنهم فلسطين.
نجمة خليل حبيب صاحبة البحث الواسع العميق والجاد قاصة فلسطينية وأستاذة أكاديمية تقيم وتعمل في جامعات أُستراليا. تفصح عن الدافع لاختيارها لموضوع الكتاب: فإثر انهماكي في عالم الأبحاث واستقصاء ما فيه من دراسات حول الأدب الفلسطيني لاحظت خلو هذا الأدب من دراسة متخصصة مستقلة تبحث في موضوعي النفي والعودة معنى ورؤى ودلالات. (1)
اختارت الدكتورة نجمة روايات لستة روائيين فلسطينيين، رأت أنها تعبّر عن محنة النفي القسري الذي اقترفه الصهاينة بحق عرب فلسطين، ورؤى العودة لفلسطين كما تجسدت في روايتهم، وهم من أجيال مختلفة، ولكن رؤى النفي والعودة تجمعهم، وإن تباينت أمكنة عيشهم، وفنيّات رواياتهم، وقناعاتهم ومشاربهم الفكرية والأيديولوجية.
إهداء بسيط تفتتح به الدكتورة نجمة حبيب كتابها، وبه تبشّر بحتمية التحرير والعودة: إلى شبيبة أمتي، أملنا بمستقبل واعد بالتحرير والعودة...
هي بهذا الإهداء تضم صوتها – كما في قصصها القصيرة ، وهي بالمناسبة تذكرني دائما بالمعلمة سميرة عزام رحمها الله – لأصوات الروائيين الفلسطينيين، الذين درست رواياتهم وعرضتها في كتابها، وزملائهم الذين مرّت على أسمائهم وأشارت لمنجزاتهم الروائية.
اختارت الدكتورة نجمة روائيين فلسطينيين وروايات فلسطينية رأت فيها التعبير الأوضح عن موضوع النفي والعودة، وفي هذا تعبير عن إصرار الفلسطينيين على العودة إلى فلسطين، وإنهاء زمن المنفى مهما امتد، وحتمية تحرير فلسطين بالمقاومة، كل فلسطين.
لم يكتب أي روائي فلسطيني عملاً روائيا يُنظّر فيه للقبول بمشاريع ( التسوية) – الاسم المُضلل للاستسلام – قبل أوسلو، أو بعده، أو أن فلسطين هي الضفة والقطاع، أو أن عاصمة فلسطين هي ( القدس الشرقية)..فالقدس واحدة كما فلسطين واحدة، وهذا جوهر التمسك الشعبي الفلسطيني بالوطن الفلسطيني الذي لا وطن سواه.
لم تتقيّد الدكتورة نجمة بمدرسة نقدية محددة، وأوضحت الأمر في مقدمة كتابها: لم ألتزم بنظرية نقدية محددة. اتخذت من معطيات علم النفس والاجتماع والتاريخ ما يحتاجه النص المُعالج مسترشدة بقراءات لإدوارد سعيد، وأمين ومعلوف، وحليم بركات، وعبد الرحمن منيف. وفي المعارف الأدبية من نقد ونظريات لكل من صلاح فضل، وعبد الرحمن بدوي، عبد الله الغذامي، هومي بابا، ويمنى العيد..ناهيك عن مصادر بالإنكليزية توردها، ولكن ما يهمنا أنه أفصحت عن نهج اختارته في دراستها ولا تنطلق من مناهج محددة تلزمها بقيودها. (2)
ليس المنفى سلبا كله، هو أيضا محفّز على الخلق والإبداع، فالمنفيون، وللتعويض عمّا خسروه يلجأون إلى خلق عالم جديد خاص بهم، فيبرز بينهم الروائيون والناشطون السياسيون والأكاديميون. ذلك لأن عالم المنفيين الجدد هو عالم غير طبيعي يشبه المتخيّل. هو برأي سعيد، كالعمل الروائي الذي يبدع من خيال طموح واقعي وقائم على مجتمع متغيّر.( 3)
هذا الاستنتاج تقوله الرواية الفلسطينية بدون مكابرة، ولكن تعبيرا عن روح الشعب العربي الفلسطيني الذي قاوم، وما يزال، المنفى، والتذويب الذي راهن عليه آباء الصهاينة، وتشبث بهويته، وتغلّب على قسوة المنفى، وشظف العيش وبؤسه المدمّر، وانتشل نفسه مما دُبّر له بالتعلّم والكفاح الحياتي اليومي في بلدان( المنافي) – التي نصفها بالشتات- وحقق تفوقا لم يخطر ببال من عملوا على اقتلاعه ورميه في المنافي، أوخنقه ومسخه تحت الاحتلال، أن هذا الشعب العنيد المتميّز بالكرامة والارتباط بالوطن سيصمد، ويبدع على كافة الصعد، مقدما ملحمة معجزة لا شبيه لها في العصور الحديثة.
تقرأ الدكتورة نجمة أعمالاً لغسان كنفاني في الفصل الأول المعنون: رؤية تحريضية مقاومة: غسان كنفاني، ويحمل الفصل الثاني العنوان: رؤية مستقبلية رسولية: جبرا إبراهيم جبرا. الفصل الثالث عنوانه: رؤية تستنطق الهوية: إميل حبيبي. والفصل الرابع عنوانه: رؤية مجتمعية تثويرية: سحر خليفة. الفصل الخامس عنوانه: رؤية مؤسساتية: يحي يخلف. الفصل السادس والأخير في الكتاب عنوانه: خاصية التجربة القتالية: رشاد أبوشاور.
إذا كان الإيمان بحتمية العودة وانتهاء زمن المنفى يجمع كل هؤلاء الكتاب الروائيين الفلسطينيين فإنهم يتباينون في منطلقاتهم، واختيارهم لمواضيع روايتهم، فغسان قدم رجال في الشمس للتعبير عن العجز والجهل والخضوع لواقع الشتات، والمخيم وعار المنفى وبؤسه في ماتبقى لكم، ثم انتصار المخيم على بؤسه كما في رواية أم سعد..والرؤية التحريضية المقاومة في عائد إلى حيفا.
هناك تباين بين الرؤية بين روائي فلسطيني وآخر، فلا أحد منهم يشبه الآخر، وهذا ما يبرهن على غنى رواياتهم رؤية وفنا، وتباين تجاربهم وأزمنة كتاباتهم لأعمالهم الروائية.
تصف نجمة حبيب رؤية جبرا إبراهيم جبرا بأنها( رسولية) ، وعندي أن هذا صحيح، فجبرا رأى بأن( الفلسطيني) دور ورسالة وهو ما يجب أن يميّزه ليبقى صلبا حيوي الحضور عربيا وإنسانيا، وهذا ما نقرأه في مسيرات شخوص روايته ( المتفوقين)، وهو أرادهم كذلك، وما هذا بغريب عنه وهو المتفوّق، فالفلسطيني عنده لا يجوز أن ينكسر، وهو يتحدى ما أراده الصهاينة الذين اقتلعوه ونفوه، وهو لا يضع في مسيرته هاجس التفوّق على شقيقه العربي_ وهي بذلك قد وضعت إصبعها على ( جوهر) رؤية جبرا، ولعل هذا ما لم يفهمه حتى بعض الفلسطينيين المتسرعين في القراءة، وإصدار الأحكام النقدية.
تستشهد الدكتورة نجمة بقول للبروفيسور إدوارد سعيد في وصفه لوضع الفلسطينيين: هم مثلاً يكونون أعلى نسبة خريجين جامعيين في العالم العربي. وفي دول الخليج والأردن وحتى سنة 1982 في لبنان، يبرزون كمعلمين وأطباء ومهندسين ورجال أعمال ومفكرين. جريئون لامعون، على شيء من عدوانية قلقة توحي بعدم الإحساس بالأمان. هذه هي بعض صفات الفلسطينيين في مجمعاتهم المُضيفة .(4)
هذا الكتاب الجاد للدكتورة نجمة حبيب يضيف دراسة جادة حول حضور الرواية العربية الفلسطينية، ودورها في تجسيد أهداف عرب فلسطين، وتجلّي قدرات الروائيين الفلسطينيين الإبداعية.
أحسب أن الدكتورة نجمة حبيب ستكمل دراستها هذه ، الغنية والجادة، بجزء ثان تضيء فيه على ما أضافته الرواية العربية الفلسطينية لمسيرة الرواية العربية فنيّا، وبهذا ستركز الضوء على الإسهام العربي الفلسطيني في مسيرة تطوّر الرواية العربية، وتفتح العيون المغمضة جهلاً..وتجاهلاً متعمدا.
- التقديم صفحة 9
2- صفحة 19
3- المقدمة صفحة 23
تنويه: سعيد الذي يرد اسمه في الاستشهاد هو إدوارد سعيد.
4- صفحة 37 .
رؤى النفي والعودة في الرواية العربية الفلسطينية!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 26.11.2018