تراجع الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع عن مناقشة فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وسحبها من المملكة الهاشمية، حيث كان من المقرر بحث الموضوع يوم الثلاثاء الأخير، إلا أن استباق النقاش في مجلس النواب الأردني ومطالبته بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وإعادة فتح اتفافية وادي عربة في حال اتخاذ قرار كهذا في الكنيست، جعل رئيس الكنيست يعلن إزاحة الموضوع عن جدول أعمال الكنيست على الأقل في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ (الأمة الإسرائيلية).
بلا شك أن إلغاء نقاش الموضوع تم بإيحاء من نتنياهو نفسه، لأن نقاش موضوع بهذه الحساسية سيكون مضرا بإسرائيل، بغض النظر عن ما سيتمخض عنه هذا النقاش بالموافقة أو الرفض.
أنا و(لأسباب شخصية) كنت أحبّذ مناقشة الموضوع وإعلان سيدة إسرائيل على الأقصى، لأن هذا ما هو موجود في الواقع، ولا يحتاج تطبيلا وتزميرا، ولو نوقش الأمر لما استطاع نتنياهو رفض مشروع السيادة الرسمي على المسجد الأقصى وهو الذي جعل مما يسميه(صخرة جبل الهيكل)أحد أهم أركان سياسته، ولا يستطيع أن يكون أقل تمسّكا(بالجبل) من آخرين متمسكين به عن يمينه وعن يساره.
لكنه في الوقت ذاته، لا يريد أن يكون سببا بطرد السفير الإسرائيلي من الأردن، وتعكير أجواء (حسن الجوار) في أوج النشاط المحموم لتهويد المدينة.
الأزمة الإفتراضية’لو حدثت ما كانت لتتوقف على الأردن الذي هدد مجلس نوابه بطرد السفير، بل وقد يتبعه (افتراضيا) دول عربية وإسلامية أخرى، كذلك فإن قرارا كهذا سيزعج أوروبا المنزعجة أصلا، والتي تشهد حراكا لا بأس به لمقاطعة منتجات المستوطنات أو المصالح التي تتعامل معها، ولا ننسى (لجنة القدس) التي سيكون لها (جوز كلام) مع إسرائيل إذا ما أعلنت.
تهويد القدس بما في ذلك الأقصى يمضي بوتائر عالية وبدون ضجيج، سوى عويل بعض النسوة والأطفال المقدسيين من أصحاب البيوت التي تهدم أو البيوت التي يتم إخراج الناس منها بقوة السلاح، كما كان يحدث في ماضي البشرية السحيق، واعتاد العرب والعالم مشاهد هدم البيوت الفلسطينية،خصوصا عندما يتوازى فعلٌ كهذا مع هدم أحياء بكاملها على من فيها في مدن وقرى عربية بأيد وطائرات عربية.
عدم إعلان السيادة الإسرائيلية لا يلغي سيادتها الفعلية منذ سنة وأربعين عاما على أحد أهم المعالم في العقيدة الإسلامية المرفقة بالإعتداءات. في زمن ما كانوا يحسبون عدد الإعتداءات على الأقصى بدءا من إحراقه، لكنهم توقفوا عن فعل ذلك لأن الإعتداءات والإستباحة باتت أمرا شبه يومي.
الجميع يعرف ما يحدث في القدس ومن بين هؤلاء (لجنة القدس) التي تذكّرت واجتمعت قبل شهر في مراكش في دورتها العشرين التي أتت بعد انقطاع كاد يصل اليأس استمر أكثر من عشر سنوات، حيث عقد آخر اجتماع لها على ضوء (التطورات الخطيرة في حينه) في العام 2002، الأمر الذي يشير إلى خطورة ما تمر به اللجنة وليس القدس والأقصى فقط، في حينه لم يحضر الإجتماع الشهيد ياسر عرفات الذي كان محاصرا في المقاطعة في رام الله، ومما لا شك فيه أن القرارات التي اتخذت قبل عشر سنوات كانت رائعة، ورغم روعتها مات عرفات مسموما بعد حصار طويل، وتفاقمت الإعتداءات على القدس وأهلها، وتسارعت عملية تهويدها أضعافا عن ما مضى.
اختتم اجتماع لجنة القـــــدس الأخير بثلاثة وثلاثين قرارا أعادت الذاكرة إلى زمن القرارات الجمـــــيل، تقريبا في الصياغات نفسها التي اتخذت وما زالت تتخذ في المؤتمرات المشابهة كافة، والتي تعبّر عن طمـــع العرب والمسلمين بالسلام من خـــلال الشرعية الدولية، وكذلك تم رصد ثلاثين ملــــيون دولار في خطة خمسية لدعم صمود القدس وأهــــلها، ودعا القرار الدول الإسلامية التبرع لصالح هذا الصــــندوق ذي (الثلاثين مليون دولار)! الحقيقة أن مبلغا كهذا لخمس سنوات ممكن اعتباره صدقة وعطفا على المساكين وأبناء السبيل أكثر منه دعما لمدينة تحمل كل هذا الثقل في التاريخ العربي والإسلامي، والتي رصدت لها جمعية يهودية أمريكية واحدة مبلغ 140 مليون دولار في عام واحد، وهذا غير ما تُرصده الحكومة الإسرائيلية وعشرات الجمعيات الصهيونية من مبالغ تصل إلى مليارات الدولارات سنويا.
تراجع الكنيست عن مناقشة السيادة الإسرائيلية لا يعني عدم وجود السيادة الفعلية على الأقصى، لكنها تريد تـــرك الأمور تمضي بهدوء قدر الممكن، فالجمــــــيع يعرفون ما الذي يجري على أرض الواقع ومن هو صاحب السيادة على الأقصى بمن فيهم المملكة الهاشمية و(لجنة القدس) التي تتخــــذ قراراتها الرائعة.
الى جانب هذا دعا أحد قرارات لجنة القدس الدول العربية والإسلامية لممارسة نفوذها لدى دول العالم للضغط على إسرائيل للكف عن ممارساتها التهويدية في القدس وفلسطين، وهذا أمر غريب، فكيف تدعون دول العالم للضغط بينما بعضكم يقيم علاقات دبلوماسية وتجارية وأمنية عادية وشبه عادية بين مع دولة الإحتلال بدون أي ثمن سياسي، بل لعل الضغط مقلوب حيث أن هذه الدول تضغط باتجاه القبول حتى بأقل مما تحمله ورقة كيري، صحيح أن شعب فلسطين هو الذي يتحمل أولا مهمة مقاومة التهويد وخصوصا القدس والأقصى، ولكن هذا الشعب يحتاج إلى أفعال حقيقية داعمة وليس إلى قرارات رائعة لا ينفّذ منها شيء…
إسرائيل سيّدة الأقصى..!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.02.2014