تقرير..المخدرات بقبضته القاسية على الطفل سالم الذي استدرج إلى شم “الآغو” خلال عمله في ورشة لتصليح السيارات تحت ضغط فقر الأسرة التي أرادته “رجلا” قبل الأوان، فيما دفعت الظروف قرينه “أدهم” للعمل في مكب للنفايات في أعقاب تسمّم جعله مقعدا في البيت.ولاحظت والدة سالم أن طفلها يعود منهكاً وذابلاً يسيطر عليه النعاس فطلبت من زوجها عرض ولدها على الطبيب الذي أفاد بعد المُعاينة بأنّ الطفل مدمن ويعاني سوءاً شاملا في أوضاعه الصحية، بما في ذلك ضعف في عضلة القلب.ومثل سالم وأدهم، هناك أيضا الطفل حمزة الذي تعرّضت يده إلى حرق شديد وهو يعمل على صاج الفلافل في مطعم، فيما تعرّض الطفل سمير إلى حروق شوّهت جسده جراء انسكاب الأسيد عليه في مصنع لمواد التنظيف.رغم أن قانون العمل الأردني ينسجم مع القوانين الدولية المتعلقة بعمالة الأطفال، إلا أن هذه الظاهرة ما تزال تتفاقم سنوياهذه قصص أطفال بأسماء مستعارة تعدُّ “غيضاً من فيض” من عالم عمالة الأطفال الذين ينزلقون إلى مهاوي المخدرات والأمراض والتشوّهات الصحيّة التي لا ذنب لهم فيها، سوى أنهم ولدوا لأسر فقيرة دفعت الظروف أبناءها إلى سوق عمل يصبح كل يوم متوحّشاً أكثر فأكثر، بفعل جائحة كورونا وتصاعد نسب البطالة والفقر وانسداد آفاق الحياة.وتقرّ مستشارة حماية الطفل في جمعية “رواد الخير” حنين حسن محمد بما لا يُحصى أو يعدُّ من الأمثلة التي تميط اللثام عن المفاعيل العميقة لجائحة كورونا وانعكاسها على سوق العمل، لافتة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 11 و14عاما يعملن لساعات طويلة في المنازل، لقاء أجور زهيدة، فضلا عن الأطفال الذين يعملون في المزارع من الثالثة فجرا وحتى السادسة مساء، في ظروف مأساوية.وتعرض حنين عمل الجمعية وسعيها لمتابعة هذه الحالات، وقالت إن الجمعية تتابع حالات الأطفال العاملين المصابين مع أسرهم، لتقديم الدعم المادي والعلاجي، وإشراك الأطفال العاملين في برامج تعليمية وتدريب مهني بحسب حالاتهم.وتسرد مديرة جمعية “تمكين” للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش لوكالة الأنباء الأردنية أشكالا من المتاعب التي يتعرض لها الأطفال العاملون في مقدمتها المتاعب النفسية والانتهاكات الجسدية واللفظية التي تمتد آثارها إلى فترات طويلة، في وقت يحرمون فيه من حقهم بالتعلم واللعب واللهو، داعية إلى تغليظ العقوبات على صاحب المنشأة في حال تشغيله للطفل بأعمال خطرة أو بطريقة مخالفة، وألاّ تتوقف فقط عند الغرامة، ذلك أنه المستفيد الأكبر من تشغيله، وبأجر زهيد ودون ضمان اجتماعي.وقالت مديرة الطفولة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة مي سلطان إن ظاهرتي ارتفاع نسبة عمالة الأطفال والأطفال المتسوّلين، هما في أولويات منظومة حماية الأسرة والطفل، مشيرة إلى أن المجلس عمل عام 2020 بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة” اليونيسف” على تحديث الإطار الوطني للحد من عمل الأطفالمن جانبها، قالت مسؤولة عمل الأطفال في منظمة العمل الدولية رزان الحديدي إن المنظمة تعكف على مشاريع عمل الأطفال خاصة عمل الأطفال في قطاع الزراعة، مشيرة الى مشروع “آفاق” ومشروع “العمل اللائق” في قطاع زراعة الزهور الأردني، والذي يتضمن جزئية خاصة بعمل، بالتعاون مع المنظمة والشركاء المعنيين كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.ويقول رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبونجمة إن الأردن صادق عام 1989 على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى اتفاقيتي العمل الدوليتين بشأن “الحد الأدنى لسن الاستخدام”، واتفاقية “حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال”، والتي تفرض على الدول العمل على حماية الطفل بمختلف الجوانب.وأشار إلى أنه رغم أن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع هذه المبادئ، ومنع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره، كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ سن الثامنة عشر، إلا أن هذه الأحكام لم تفلح في الحد من هذه المشكلة التي ما تزال تتفاقم سنويا.أما استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان عبدالله أبو دس فيقول إن الطفل العامل يجتاز مرحلة الطفولة بسرعة قسرية أو قهرية، حيث يتراجع النمو السيكولوجي الطبيعي الذي يسهم في بلوغ مستقر، فضلا عن أن الأطفال يعانون من انتهاكات حقوقية، ويتعرضون إلى جملة من المنظومات الاخلاقية غير السوية واستخدام المؤثرات العقلية، الأمر الذي يولّد السلوك العدواني لديهم، ويدفع بهم إلى ارتكاب الجرائم والجنح أو خرق منظومة القواعد القانونية أو الأخلاقية الموجودة في المجتمع.وأوضح أن الأطفال العاملين يتلقون أجورا أقل في ظروف عمل تمتد لساعات طويلة، ما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم في عمر مبكر وبما يؤثر على سلامة صحتهم النفسية والجسدية، ويؤدي ذلك إلى شعور بعدم الأمان وتتولد لديهم الرغبة في إيذاء النفس أو المجتمع.واعتبر أن الزج بالطفل إلى سوق العمل أو الشارع جريمة ضد الطفولة، داعيا إلى إيجاد بيئة اجتماعية حاضنة لبرامج متعددة الاختصاصات وذات أبعاد نفسية وتربوية واجتماعية واقتصادية ودينية ونفسية، لضمان حماية أفضل للطفل.
عمان..الاردن : الطفل العامل في الأردن عرضة للانحراف والإدمان!!
03.02.2022