كشفت مقاطع فيديو وصور ثلاث عمليات قتل خارج نطاق القانون، في شمال سيناء في مصر، نفذها الجيش ومُسلّحون من المجموعات القبلية الموالية له (اتحاد قبائل سيناء)، حسب ما أكدت مؤسسة “سيناء لحقوق الإنسان”، مرجحة وقوع هذه الانتهاكات أثناء عمليات القتال والتمشيط الجارية ضد آخر المعاقل المتبقية لمقاتلي تنظيم “ولاية سيناء”.ويُظهر تحليل فيديوهات وصور ومعلومات، حصلت عليها المؤسسة أن “القتلى في الوقائع الثلاثة لم يشكلوا تهديداً للحياة أو خطرا لحظيا لا يمكن تفاديه على القوات الحكومية أو المجموعات القبلية المسلحة الموالية لها أو آخرين، بل كان بينهم اثنان مقيدين، والثالث مصابا وفي درجة مضطربة من الوعي، وبالتالي تشكل عمليات قتلهم إعدامات خارج إطار القانون وانتهاكا خطيرا لقواعد القانون الدولي الإنساني يرقى إلى جرائم الحرب، وبشكل يشبه عمليات قتل أخرى مماثلة وثقتها منظمات دولية ومحلية في شمال سيناء في السنوات الماضية”.أحمد سالم، المدير التنفيذي للمؤسسة، قال إن “السهولة التي يُقدم بها أفراد المجموعات القبلية المسلحة ورجال الجيش المصري في شمال سيناء على إعدام من وقع في الأسر والمصابين خارج نطاق القانون بطريقة وحشية تبين أنهم لا يخشون أي رقابة أو محاسبة على أفعالهم”.وزاد: “تحت مسمى مكافحة الإرهاب، ترتكب القوات الحكومية والميليشيات المعاونة لها عينّة من نفس الجرائم التي من المفترض أنها تكافحها”.
ومقاطع الفيديو، التي ظهرت بين بداية يوليو/ تموز الماضي ومنتصف أغسطس/آب الجاري، وقامت المؤسسة بتحليلها والتوثق منها، تتضمن عمليات إطلاق النار، على الأرجح بواسطة رجال القبائل المسلحين، من مسافة قريبة على فردين أعزلين، أحدهما صغير السن ومن المرّجح أن يكون طفلا.ووفق المؤسسة، لم تُعرف هوية الاثنين على الفور، لكن ذلك الذي يبدو طفلاً يُدعى أنس من قبيلة “التياها”، ويظهر في المقطع المصور بيد مبتورة جراء ما يبدو أنها إصابة ناجمة عن متفجرات. أما الرجل الآخر، فكان في ثوب أبيض ويداه مقيدتان خلف ظهره. من الواضح إن عمليات إطلاق النار على الرجل والطفل وقتلهما وقعت بعد أن ألقت قوات القبائل القبض عليهما أثناء عمليات التمشيط والمداهمة لمناطق نفوذ وعمليات تنظيم “ولاية سيناء” في شمال سيناء”.مقطع فيديو ثالث منفصل، حصلت عليه المؤسسة، تظهر فيه قوات القبائل وهي تناقش أحد منتسبي تنظيم “الدولة”، يُدعى أبو طارق، وهو مقيد اليدين بعد إلقاء القبض عليه، بينما تظهر صور أخرى الرجل نفسه بالملابس ذاتها بعد أن تم قتله.الواقعة الأولى، حسب التقرير، جرى توثيقها من خلال فيديو وثلاثة صور إعدام لأبو طارق، تم اعتقاله حيا على الأرجح في منطقة صحراوية جنوب بئر العبد.وتبدأ الواقعة من فيديو نشره الحساب الرسمي لـ اتحاد قبائل سيناء” بتاريخ 2 يوليو/ تموز الماضي، وهو المنبر الأعلامي لأحد أبرز المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش، ينتمي معظم عناصره لقبيلة الترابين، (تم حذف الفيديو بعد مرور ساعة تقريبا على نشره). وأظهر الفيديو حوارا دار بين من قالت الصفحة إنه أبو طارق ويظهر كرجل ذي لحية كثة، ويبدو مسناً من تنظيم “الدولة” مقيد اليدين خلف الظهر ويرتدي “فانلة” لونها أزرق فاتح، ويتحدث مع عدد من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش، بينما هو مقيد داخل مركبة عسكرية.
«معركة الحق والباطل»
يُظهر المقطع ومدته 45 ثانية الرجل وهو يتحدث في تلك الوضعية عما أسماها “معركة الحق والباطل” وذلك دون توتر ظاهر، بينما ما لا يقل عن 7 رجال من عناصر المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش أو الجيش، بينهم شخص يرتدي الواقي الصدري من الرصاص، وعلى الأقل 3 يرتدون الخوذ المميزة لعساكر الجيش، يقفون خارج المركبة وبعضهم يحملون تليفوناتهم المحمولة لتصوير الحوار بينما يتهكم البعض على حديث الرجل المقيد.وتُظهر صورة أخرى حصلت المؤسسة عليها من مصادر خاصة للرجل نفسه قبل إعدامه وهو مستلقٍ على جانبه في منطقة رملية، بالقرب من شجرة صغيرة، وتبدو عليه آثار الإعياء.
الواقعة الثانية، حسب التقرير، تعود لنشر صفحة على فيسبوك تحمل اسم “المريح أنيوز” مؤيدة للجيش وتنشر أخبارا عن عمليات القبائل في سيناء في 17 أغسطس/ آب الجاري مقطع فيديو مدته 18 ثانية وصفته بأنه “تصفية أحد العناصر التكفيرية”، دون توضيح المكان أو تاريخ التصوير.وأوضحت المؤسسة أنها حصلت من خلال مصدر خاص في إحدى المجموعات القبلية المسلحة على نسخة واضحة من الفيديو ذاته من دون المؤثرات الصوتية المُضافة على الصفحة، كما قال المصدر ذاته للمؤسسة إن هذا المقطع جرى تداوله بتاريخ 16 أغسطس/ آب الجاري عبر مجموعة واتساب خاصة بعناصر إحدى المجموعات القبلية المسلحة الموالية للجيش والتي يتشارك فيها هؤلاء المسلحون أخبارا ومقاطع عن عملياتهم على سبيل مشاركة “الإنجازات.ونقل التقرير عن المصدر قوله إن واقعة قتل الطفل قد وقعت في منطقة المغارة التابعة لمدينة الحسنة وسط سيناء.ويُظهر المقطع الطفل ملقيا على الأرض وهو مصاب على ما يبدو نتيجة انفجار أدى إلى بتر إحدى يديه، ويبدو في حالة إعياء شديد، مضطرب الوعي، وملابسه ملطخة بالدماء. وفي المقطع المصور يصوب رجل لا يظهر وجهه سلاحا آليا ناحية الطفل بينما يلقي عليه الأسئلة.
وأجاب الطفل على سؤال المسلح عن اسمه وقال إنه أنس، وإنه ينتمي لقبيلة “التياها”، قبل أن يطلق الرجل المسلح النار على رأس الطفل من مسافة شديدة القرب، حيث تظهر فوهة السلاح على بعد لا يزيد عن 30 سنتيمترا.ويتحدث الرجل المسلح في الفيديو بلهجة مصرية غير بدوية، كما يُظهر الفيديو أصوات رجال آخرين حول المسلح وهم ينادونه بلقب “باشا”، وكل ذلك يرجّح كونه ضابطا في الجيش. وفي نهاية الفيديو يظهر بشكل سريع أن الرجل يرتدي بنطالا وحذاء عسكريا.
قبل إطلاق النار مباشرة يتحدث أحد مرافقي الرجل: “يلا يا باشا يلا.” وبعد مقتل الطفل يأمر الرجل مرافقيه: “أخلي فوراً”، ثم ينادي “السلاح، السلاح، السلاح!” ثم يكرر نفس الصوت الذي قال “يلا يا باشا يلا” الأمر بضرورة مصادرة السلاح الذي كان ربما في مكان الحادث بحوزة الطفل.
إعدام رجل مقيد
الواقعة الثالثة نشرتها الصفحة نفسها على الفيسبوك “المريح أنيوز”، بتاريخ 19 أغسطس/ آب الجاري، بعنوان “النصر قريبا إن شاء الله” دون توضيح المكان أو تاريخ الواقعة.ويوضح المقطع شخصا مقيد اليدين خلف الظهر، في ثوب أبيض وبنطال غامق اللون بني أو رمادي، يطلب الرحمة من آخرين حوله لا تظهر وجوههم أو أجسامهم في الفيديو، وكان يخاطبهم بلهجة سيناوية “يا شباب ارحموني برحمتكم. يا رحيم أرحمني. لا لا..” يأمره أحد “بُص الناحية التانية” (أنظر للجهة الأخرى) قبل أن يتم إطلاق النار عليه بكثافة من المحيطين به.وتعليقا على هذه الوقائع، طالبت المؤسسة السلطات المصرية بفتح تحقيق فوري، مستقل وشفاف، في وقائع القتل تلك وكافة حوادث القتل خارج القانون السابقة، وتقدمي مرتكبيها إلى محاكمات عادلة.كما دعت المؤسسة السلطات لأن ترسل أوامر وتعليمات واضحة لا لبس فيها لكافة المجموعات القبلية التي أشرف الجيش المصري على تسليحها وانخراطها في القتال الدائر في الأشهر الأخيرة، مفادها أن العمل المسلح ينبغي أن يجري وفقا للقانون وأن الانتهاكات غير مقبولة وأن مرتكبي الانتهاكات سيتعرضون للمحاسبة، ويتحتم أن يتم تسليم كافة من يتم القبض عليهم من الرجال والنساء والأطفال المنتسبين لداعش أو المشتبه في صلاتهم بالتنظيم إلى سلطات القضاء للتصرف بشأنهم بموجب القانون.
*قوانين الحرب
ولفتت إلى أن المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف المُؤسسة للقانون الدولي الإنساني أو ما تعرف بقوانين الحرب تنص على أن الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصة القتل بجميع أشكاله” للمدنيين وكذلك كل من ألقى سلاحه من المحاربين وكذلك الأشخاص العاجزين عن القتال والمصابين ومن وقع من المحاربين في الأسر أو الاعتقال. وتدرج كل من اتفاقيات جنيف الأربع “القتل العمد” للأشخاص المحميين كانتهاك جسيم. وفي هذا الإطار يصنّف القتل كجريمة حرب وفقا لميثاق المحكمة الجنائية الدولية وكذلك وفقا لتعريف العديد من محاكم الحرب السابقة مثل محكمة الجنائية الدولية المعنية بيوغسلافيا السابقة. كما يحظر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب “الحرمان التعسفي من الحق في الحياة”، والحق في الحياة هو حق أصيل ولصيق بالصفة البشرية لا يمكن الانتقاص منه أو تقويضه حتى في أوقات الحرب أو مكافحة الإرهاب. واتهمت السلطات المصرية بأنها ترفض الاعتراف بشكل واضح بأن العمليات العسكرية التي احتدمت ضد مسلحي تنظيم “ولاية سيناء” في شمال سيناء، ترقى إلى حالة الحرب أو النزاع المسلح غير الدولي، وبالتالي تنظمها وتنطبق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني.وشهد الأسبوع الماضي اشتباكات ضارية بين الجيش المصري وتنظيم “ولاية سيناء”، في المزارع المحيطة بقرية جلبانة التي تعد آخر معاقل التنظيم في شبه جزيرة سيناء، شمال شرق مصر، حيث دفع الجيش المصري بآليات ثقيلة لاقتحام المزارع المحيطة بالقرية، مع استمرار القصف الجوي من طائرات الحربية. وبدأت أحداث جلبانة صباح الخميس 11 أغسطس/ آب الجاري، بعد انتشار واسع لأعداد كبيرة من مسلحي التنظيم على الطريق الدولي القنطرة – العريش حيث نصبوا كمينًا لهم على الطريق الدولي غرب سيناء، واستولوا خلال ذلك على 7 سيارات بينها سيارة حكومية خاصة بمجمع بحوث الصحراء في شمال سيناء، وأخرى خاصة بمؤسسة مصر الخير كانت محملة بالطعام، بالاضافة لسيارات أخرى خاصة بالأهالي.
القاهرة..مصر : منظمة حقوقية تتهم الجيش المصري واتحاد القبائل بتنفيذ إعدامات خارج القانون!!
23.08.2022