تعتبر ما تعرف باسم “خريطة إشبيلية” محور الخلاف والنزاع الأساسي بين تركيا واليونان التي تعتبرها أساساً قانونياً لرسم حدودها البحرية في إيجه والمتوسط وهو ما ترى فيه تركيا محاولة لحصارها في شريط ساحلي ضيق والسيطرة على كامل الموارد في إيجة والبحر المتوسط، حيث تصر أثينا على اعتمادها كأساس للتفاوض وترفضها أنقرة بشكل مطلق.وبموجب الخريطة فإن كافة الجزر اليونانية في بحر إيجة والمتوسط ومهما كان حجمها وقربها من اليابس التركي فإنها تتمتع بجرف قاري كامل، وهو ما جعل اليونان -بموجب الخريطة- تسيطر على أغلب بحر إيجه وشرق المتوسط تاركة مساحات صغيرة جداً لتركيا التي تتمتع بأطول ساحل على شرق المتوسط.و”خريطة إشبيلية” وضعها عام 2000 أستاذ الجغرافيا البحرية والبشرية في جامعة إشبيلية بإسبانيا، خوان لويس سواريز دي فيفيرو، استنادا إلى وجهة نظر اليونان وقبرص الجنوبية، وتتبنى اليونان حدود الخريطة على اعتبار أنها وثيقة قانونية لرسم حدودها البحرية التي تعتبرها حدود الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الاستناد عليها في تحديد جرفها القاري والمناطق الاقتصادية الخالصة التابعة لها.وعلى سبيل المثال، تعتبر الخريطة أن حدود اليونان تبدأ من جزيرة “ميس” وهي جزيرة صغيرة تبعد عن اليابس التركي 2 كيلومتر فقط مقابل مدينة أنطاليا، بينما تبعد عن اليابس اليوناني الأساسي 580 كيلومترا، ولا تتجاوز مساحتها 10 كيلومترات، وتنص الخريطة على منحها جرفا قاريا بمساحة 40 ألف كيلومتر مربع، وبموجب هذا التقسيم تفقد تركيا أي سيطرة أو عمق بحري في إيجه أو شرق المتوسط وهو ما تعتبره أنقرة مخالفاً للقانون الدولي ومسعى لحصارها.ووصلت الخلافات بين تركيا واليونان إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد في الأسابيع الأخيرة بسبب بدء أنقرة التنقيب في مناطق تعتبرها اليونان ضمن جرفها القاري بموجب “خريطة إشبيلية”، في حين فشلت حتى الآن كافة محاولات بدء حوار ثنائي بين البلدين بسبب ما تقول أنقرة إنه إصرار أثينا على اعتبار الخريطة أرضية قانونية وأساس للتفاوض بين البلدين.وفي موقف مفاجئ، أصدرت السفارة الأمريكية في العاصمة أنقرة، مساء الإثنين، بياناً أكدت فيه أن الولايات المتحدة لا تعتقد بأن خريطة إشبيلية “لها أهمية قانونية”، وجاء في البيان: “الولايات المتحدة من حيث المبدأ لا تتدخل في النزاعات بين الدول حول مناطق الصلاحية البحرية فيما بينها”، مشيراً إلى أنها ترى أن “الاتحاد الأوروبي أيضا لا يعتبر خريطة إشبيلية وثيقة ملزمة قانونيا”، وهو موقف أمريكي متقدم ترى فيه أنقرة أرضية مهمة للضغط على اليونان للتخلي عن تصورها للحل بناء على خريطة إشبيلية.وأوضحت السفارة أن “تحديد المساحات البحرية مرتبط بالتفاهمات التي تجري بين الدول المعنية استنادا إلى القانون الدولي”، مضيفةً: “الولايات المتحدة الأمريكية تدعم بشدة الحوار الصادق والمباحثات، وتشجع تركيا واليونان للعودة مجددا إلى المحادثات الاستكشافية بأسرع وقت ممكن”.وقبل أيام شدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار على أن محاولة فرض خريطة إشبيلية “جهود عقيمة وادعاء غير مقبول”، وقال: “خريطة إشبيلية باطلة، ولا تعترف بالحقوق والقانون، ويجب رؤية ومعرفة أنها تسببت في مشاكل كما أنها لم تساهم في السلام والاستقرار”، مضيفاً: “يجب أن يعي الجميع أن الدولة التركية وجيشها والشعب لا يقبلون بحبسهم في سواحلهم عبر خريطة إشبيلية أو طلبات وممارسات مماثلة لها”.من جانبه، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي إن “اليونان وضعت خريطة سمتها إشبيلية، تنص على حرمان تركيا من اتخاذ أي خطوة في البحر”، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي أعلن عدم اعترافه بالخريطة، وأنه ملّ من عجرفة اليونان، لكن لا يمكنه قول ذلك بشكل علني، على حد قوله.وقال نائب الرئيس التركي: “لو قام ذئب برسم خريطة إشبيلية بحق حمل، لما كان مجحفا بهذا القدر، حيث لم يعد كامل البحر المتوسط يتسع لليونان، وبدأت تتحدث عن قبالة سواحل جزيرتي ميس وكاش”، مضيفاً: “وكأنها تقول لتركيا إنه (ربما تمتلكين أطول سواحل في البحر المتوسط، لكن لا يمكنك التصرف في البحر دون إذن، بما في ذلك السفن التجارية، أي سأحول البحر بالنسبة لك إلى بحيرة)، أي منطق هذا؟”. وشدد على أن “تركيا ترفض هذه الخريطة، وترفض كل من يفكر بها، ومستعدة لتدوسها وقت الضرورة”.في السياق ذاته، اعتبر وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن خريطة إشبيلية “مسعى يوناني لحبس تركيا في نطاق بحري ضيق”، مضيفاً: “اليونان سعت من خلال صفّ إدارة قبرص وبعض دول المنطقة إلى جانبها، إلى تجاهل الحقوق التركية، وبدأت التصعيد لدى دفاع تركيا عن حقوقها وحقوق شعب قبرص التركية”.!!
إسطنبول..تركيا : “خريطة إشبيلية”.. محور الصراع بين تركيا واليونان حول إيجة وشرق المتوسط!!
22.09.2020