لم يكن قرار رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، منع النواب من إدخال مكبرات الصوت اعتباطيا، وخاصة بعدما تحوّل المجلس إلى مسرح للتهريج والخطاب المبتذل ووسيلة لتصفية الحسابات السياسية واستعادة شعبية مفقودة لدى أغلب الأحزاب السياسية.الفوضى داخل البرلمان التونسي بدأت منذ الجلسة الأولى في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حين رفضت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر ونواب كتلتها النيابية أداء القسم الدستوري، مشيرة إلى أنه إجراء غير قانوني في ظل غياب بعض النواب، وهو ما أثار فوضى كبيرة داخل المجلس.وساهمت التناقضات السياسية الكبيرة التي يعيشها البرلمان في استمرار الصراعات داخله، حيث واصل الحزب الدستوري الحر في تعطيل جلسات البرلمان عبر افتعال الفوضى في مناسبات عدة والدخول في شجار مع عدد من مكونات البرلمان وخاصة حركة النهضة وائتلاف الكرامة، تم خلالها تبادل الاتهامات بـ”الإرهاب” و”التكفير” و”الانقلاب على المسار الديمقراطي”، وهو ما تسبب بتعطيل العمل البرلماني لعدة أيام في شهر مارس/آذار 2020.وتحول الخلاف السياسي إلى عراك بالأيدي بين نائبين من حركة النهضة والدستوري الحر، انتهى بدخولهما للمستشفى بعد تعرضهما لعدة كسور في تموز/يوليو الماضي.وفي كانون الثاني/يناير الماضي أدان رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، العنف الذي تعرضه له نواب الكتلة الديمقراطية من قبل زملائهم في ائتلاف الكرامة، معتبرا أن ما مارسه نواب الائتلاف “سابقة خطيرة”.وفي وقت اتفقت فيه أغلب مكونات البرلمان على تهدئة التجاذبات واعتماد الحوار لحل الخلافات المتواصلة داخل المجلس، لجأ الحزب الدستوري الحر إلى أسلوب جديد يعتمد على استفزاز رئاسة البرلمان وعدد من مكوناته عبر اعتماد أسلوب الاعتصامات داخل القاعات وفي أروقة المجلس، فضلا عن استخدام مكبّرات الصوت للتشويش داخل الجلسات العامة، بجانب لجوء رئيسة الحزب عبير موسي إلى تقنية “البث المباشر” على فيسبوك لاستفزاز زملائها داخل اجتماعات مكتب البرلمان، وهو ما دفع رئاسة البرلمان أخيرا إلى حرمانها من حضور الجلسات العامة وجميع أعمال المجلس لمدة 3 أيام بعد خرقها للنظام الداخلي، وإصدار رئيس البرلمان قرارا إداريا يقضي بمنع دخول جميع الآلات غير الضرورية في عمل النائب على غرار مكبرات الصوت التي تستعملها موسي.هذا المشهد البرلماني المضطرب دفع النائب ياسين العياري إلى المطالبة بتوفير طبيب نفسي وإجراء اختبار تعاطي المخدرات لعدد من زملائه، مبررا ذلك بقوله “ما رأيناه ورآه التونسيون من عنف وهسترة وبارانويا، تستحق في تقديرنا متابعة نفسية دقيقة. ونذكّر بأننا راسلنا جميع الكتل النيابية والمستقلين لدعوتهم لعزل كتل الفاشية والعنف والابتذال والبلطجة والخروج عن القانون واقتحام الجمعيات والمراكز السيادية وترذيل البرلمان، ولم تتفاعل الكتل مع المقترح”.كما دعا العياري لتجهيز قاعات الاجتماع داخل البرلمان بأجهزة تشويش للحد من ظاهرة البث المباشر التي استخدمتها موسي وعدد من النواب لزيادة نسبة المتابعين على المواقع الاجتماعية، مطالبا “بإخضاع السادة النواب وجوبا إلى تحاليل تعاطي مخدرات قبل دخول المجلس، فمشاهد الهيجان والهسترة والعنف نرجح أن تكون نابعة من أشخاص في وضعيات غير طبيعية”.فيما عبّر الوزير السابق لزهر العكرمي عن ذلك بقوله “الشعب التونسي لم ينتخب سياسيين بل مجموعة هواتف ذكية نعيش معها على المباشر من خلال اللايف اليومي”، مشيرا إلى أن “التجاذبات السياسية في تصاعد مستمر والخاسر الأكبر الاقتصاد والمالية والطبقة الوسطى والطبقات الضعيفة. كما أن هناك نية للإساءة للعمل السياسي والأحزاب وطغيان الشعبوية في وسائل الإعلام”.وكان محللون توقعوا، في حديث سابق مع “القدس العربي”، أن يشهد البرلمان التونسي خلافات كبيرة قد تعطّل عمله وتؤثر سلباً على الحياة السياسية في البلاد، وخاصة أنه يتضمن جملة من المتناقضات، تتجلّى بالتشتت الكبير لمكوناته التي تنتمي إلى تيارات سياسية وفكرية مختلفة، إضافة إلى تورّط بعض أعضائه بقضايا فساد، وتميّز أعضاء آخرين بخطاب متشدد وإقصائي.!!
تونس.. تونس : بين مكبرات الصوت والبث المباشر.. هكذا تحوّل البرلمان التونسي إلى أداة لتصفية الحسابات وكسب الجمهور!!
25.03.2021