أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الخرطوم..السودان : مجزرة فض اعتصام القيادة العامة: 3 سنوات من الحصانة للجناة!!
03.06.2022

تستعيد أكثر من 128 أسرة، ومعها غالبية السودانيين، ذكرى حادث فض اعتصام محيط قيادة الجيش السوداني قبل 3 سنوات، وتزداد الآلام بسبب ضيق فرص تحقيق العدالة في الحادثة، عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.ووقعت الحادثة، في 3 يونيو/حزيران 2019، أثناء حكم المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي خلف نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وهاجمت، في ذلك اليوم، قوات عسكرية، غالبيتها من الدعم السريع، أشهر اعتصام في تاريخ السودان، في محاولة لفضه بقوة السلاح، وبطريقة أشبه بما جرى في "ميدان رابعة" بمصر في العام 2013.وأدى الهجوم إلى مقتل نحو 128 معتصماً، بالإضافة إلى سقوط مئات الجرحى وفقدان العشرات، وبعضهم لم يُعثر عليه حتى الآن، عدا عن اغتصاب عدد من النساء المشاركات في الاعتصام، طبقاً لمزاعم منظمات حقوقية مدافعة عن حقوق المرأة.وأثارت الواقعة غضباً يتواصل حتى اليوم، ليس بسبب الخسائر بشرية، بل لما فيها من غدر باعتصام مثالي، طبقاً لتقديرات كثر، ونجاحه في 11 إبريل/ نيسان 2019 بإسقاط نظام عمر البشير الجاثم على السلطة لنحو 30 عاماً، وهو الاعتصام الذي صعد بمن فضوه إلى الحكم.بمرور الأيام، لم تصمت قوى الثورة السودانية، من أحزاب وتحالفات ونقابات ولجان مقاومة، على الحادثة، ولا على مخططات العسكر للهيمنة على الحكم بعد سقوط البشير. وواصلت هذه القوى حراكها الثوري اليومي، وأرغمت العسكر على القبول بتسوية سياسية تقوم على تأليف حكومة مدنية، وتقاسم عضوية مجلس السيادة، مع منحه صلاحيات تشريفية، بالإضافة إلى بنود أخرى تضمنتها الوثيقة الدستورية الموقعة بين العسكر وقوى "إعلان الحرية والتغيير" في أغسطس/آب 2019، والتي تكونت بموجبها الحكومة وأجهزة الدولة في سبتمبر/أيلول من العام ذاته.لم تتجاهل الوثيقة الدستورية مبدأ تحقيق العدالة والقصاص من قتلة ضحايا فض اعتصام القيادة العامة. ونصت على تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لتقوم بالمهمة. وأصدر رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، أواخر 2019، قراراً بتكوين اللجنة برئاسة المحامي نبيل أديب وعضوية آخرين. ومنحت اللجنة 90 يوماً لإنجاز المهمة وإصدار تقريرها، والشروع مباشرة في تقديم المتورطين في عمليات القتل والجرائم الأخرى إلى العدالة. لكن اللجنة لم تنجز المهمة في الموعد المحدد لها، فجُدّد لها عدة مرات من دون تحقيق أي تقدم، ما أصاب أسر القتلى باليأس. وتوصلت هذه الأسر إلى قناعة بعدم جدوى استمرار عمل اللجنة، وبدأت عملياً نقل القضية إلى محاكم دولية.في المقابل، دافعت اللجنة عن نفسها مبررة عجزها بقلة الإمكانيات وحاجتها إلى مساعدة فنية من قبل جهات دولية، خصوصاً بعد اعتذار الاتحاد الأفريقي عن توفيرها، وبضيق الوقت مقابل حجم التحقيقات التي تجريها. كما تأثرت اللجنة بالانقلاب الذي نفذه البرهان في 25 أكتوبر/ الماضي على حكومة حمدوك وتحالف قوى "الحرية والتغيير"، والذي أدى إلى تصدره السلطة بالكامل، مواجهاً معارضيه بعنف شديد، ما أدى إلى مقتل 98 شخصاً وإصابة نحو 3 آلاف واعتقال المئات. كما وجهت قرارات البرهان ضربة إلى إنجازات الثورة، لا سيما على صعيد الحريات العامة، مع إعادته إلى جهاز المخابرات صلاحيات الاعتقال، بالإضافة إلى تضييقه الخناق على العمل السياسي والإعلامي.وأجبرت لجنة التحقيق الوطنية المستقلة بجرائم فض الاعتصام، في مارس/آذار الماضي، إلى تجميد عملها احتجاجاً على اقتحام قوات نظامية مقرها ومنع الموظفين من الدخول إليه. وأدى تحذير اللجنة وقتها من أي مساس بمستندات التحقيق داخل المقر بالسلطة الانقلابية إلى التراجع.وعلى الرغم من عودة عمل اللجنة، فإن أسر القتلى واصلت، في المقابل، تدويل القضية، بحسب رئيس "منظمة الشهداء" فرح عباس، وهو والد القتيل عباس فرح، والذي أشار إلى أن "اللجنة غير مؤتمنة على التحقيق". وقال فرح عباس، إن "سيطرة العسكر على الحكم، وتصدرهم للمشهد، وجعل أنفسهم أوصياء على الشعب بقوة السلاح، تغلق الباب أمام أي عدالة داخلية، خصوصاً أنهم متهمون بارتكاب جريمة فض الاعتصام، التي جرت تحت مرأى ومسمع العالم، وشهدت على ذلك تصريحاتهم في وسائل الإعلام". واعتبر فرح عباس أن "انقلاب العسكر جاء وبالاً على كل السودان، لأن العصابة ضيعت على البلاد مكاسب عديدة، وجوعت الشعب، وخلقت الفوضى الأمنية، وواجهت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي خلال الأشهر الماضية". وأكد أن "كل جرائمهم لن تسقط بالتقادم كما يظنون"، معتبراً أن "الشعب لن يتجاهل القضايا التي استشهد من أجلها أبناؤهم، وسيواصل النضال من أجل إنجاز التحول الديمقراطي وإعادة العسكر إلى ثكناتهم وبناء هياكل الدولة". من جهته، رأى رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في جرائم فض الاعتصام المحامي نبيل أديب أن الفرصة أمام اللجنة لا تزال مؤاتية لإنجاز مهامها، حتى في ظل الانقلاب الحالي.وأوضح أديب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعضلة الأساسية التي تواجه اللجنة هي فراغ منصب رئيس الوزراء بعد استقالة حمدوك من المنصب، ذلك لأنه وطبقاً للوثيقة الدستورية، فإن اللجنة تقدم تقاريرها لرئيس الوزراء، وهو المنوط به توفير الدعم الفني واللوجستي للجنة. وأوضح أنه وعلى الرغم من هذا الأمر، فإن عمل اللجنة لم يتوقف بشكل كلي، لكنه رفض تحديد موعد لإصدار التقرير النهائي، خصوصاً أن الاتحاد الأفريقي سبق أن رفض التعاون الفني مع اللجنة لتحليل مقاطع فيديو، ما دفع حمدوك، قبل استقالته في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى تكليف خبراء أجانب القيام بهذا الأمر.وبشأن تواصل انتقادات أسر القتلى للجنة، أوضح أديب أن لجنته حريصة كل الحرص على تقديم قضية جنائية متكاملة ببينات وأدلة دامغة، حتى لا تُشطب، كما شطب أخيراً بعض القضايا ضد رموز النظام السابق. ووجه أديب رسالة خاصة لأسر القتلى بأن "اللجنة لا تسعى لإرضائهم، وإنما تعمل بضمير القانون من أجل تقديم ملفات قضائية متماسكة، وأن اللجنة لا تتدخل في القضايا الفردية التي رفعتها الأسر أمام المحاكم، وأنهم ملتزمون في اللجنة بالوصول إلى كل مرتكبي جرائم فض الاعتصام".أما الخبير القانوني ساطع الحاج فأكد، من جهته، ثقته في لجنة أديب للوصول إلى الحقائق حول فض اعتصام محيط قيادة الجيش، وتقديم الجناة أمام المحاكم، "رغم مواصلة الانقلابيين وضع المتاريس في طريقها لطمس الجريمة التي تعتبر وصمة عار في جبين من قاموا بها من أنصار الاستبداد، الذين يحاولون أيضاً، عبثاً، قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي الآن". وفي حين اعتبر الحاج، أن "الشعب السوداني هو من يحمي اللجنة لتصل إلى مبتغاها"، فإنه استبعد فرضية تحويل ملف ضحايا فض الاعتصام إلى المحاكم الدولية، "لأن هناك متسعاً ثورياً لاستعادة الديمقراطية وبناء الهياكل العملية، بما يمكن من محاكمة المتورطين داخل السودان". إلى ذلك، رأى الصحافي عبد الباقي جبارة أن عملية فض الاعتصام هي "جريمة العصر لبشاعتها ووحشية مرتكبيها الذين أفرغوا غلهم تجاه شباب أعزل، لا ذنب له سوى أنه يطالب بدولة مدنية تسود فيها قيم الحرية والسلام والعدالة". جريمة فض الاعتصام كاملة الأركانواعتبر أنه كانت أمام اللجنة، التي شكلت برئاسة المحامي نبيل أديب، "جريمة كاملة الأركان من مسرح وضحايا وأدوات وشهود، ولم تكن تحتاج لشيء سوى الترتيب والتصنيف والتكييف القانوني". وقال جبارة، إنه "منذ الوهلة الأولى، شكك البعض في اللجنة ونواياها، وأنها شُكلت فقط لتطيب الخواطر واللعب بالوقت حتى إيجاد مخرج آمن للمجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم ومن يقف خلفهم من القيادات وأشار إلى أن "الشكوك تضاعفت بعد انقضاء فترة اللجنة الأولى المحددة بثلاثة أشهر، واستمرار التمديد لها، وبداية تذرع رئيسها بحجج الإمكانات وضخامة المهمة حتى فقدت تعاطف المتفائلين وأصحاب النوايا الحسنة معها".وأضاف جبارة أنه "في الذكرى الثالثة لفض الاعتصام، لم يتبق لهذه اللجنة من مبررات سوى رئيسها نبيل أديب الذي أصبح يفتي في قضايا لم يُكلف بها. وفي الحقيقة، انقطعت شعرة معاوية بين لجنته والثوار المطالبين بالعدالة". وأكد أن "الموضوع عاد إلى نقطة الصفر بعد انقلاب 25 أكتوبر، مثله مثل كل المواضيع" في البلد.


1