عادت الاشتباكات المسلحة وسط العاصمة الليبية طرابلس بعد هدوئها لساعات، لتشمل أحياءً جديدة محاذية للأحياء المتوترة في باب بن غشير وشارع الجمهورية. اندلعت الاشتباكات باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة قبيل فجر اليوم السبت، بين قوة جهاز دعم الاستقرار والكتيبة 77 التابعين لوزارة داخلية حكومة الوحدة الوطنية، بعد اقتحام القوة الأولى لمقر تابع للثانية في حيّ باب بن غشير.وأعقب ذلك اقتحام الكتيبة 77 مقراً تابعاً لقوة دعم الاستقرار في شارع الجمهورية، وأدت الاشتباكات إلى أضرار كبيرة في ممتلكات المدنيين، من شقق وسيارات، قبل أن يعمّ الهدوء لساعات.لكن الاشتباكات عادت مجدداً لتشمل أحياءً مجاورة للحيَّين، وهي طريق السور وبومشماشة والمسيرة الواقعة في وسط العاصمة، وتُعَدّ أكثر الأحياء اكتظاظاً بالسكان.ووفقاً للناطق الرسمي باسم جهاز الإسعاف والطوارئ، أسامة علي، فإن عشرات العائلات العالقة في هذه الأحياء وجهت نداء استغاثة من أجل إجلائها، لكن فرق الجهاز لم تتمكن من دخول هذه الأحياء بسبب الاشتباكات.وقال علي لـ"العربي الجديد": "حتى الآن يوجد قتيل واحد في صفوف المدنيين، وهناك مصابون أيضاً، لكننا لا نعلم عددهم بالتحديد حتى الآن"، مؤكداً عدم قدرة فرق الجهاز على الدخول إلى المناطق المتوترة.وبحسب مصدر أمني رفيع تابع لمديرية أمن طرابلس، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الاشتباكات عادت بقوة منذ قليل، خصوصاً في حيّ باب بن غشير، مشيراً إلى أن "عدداً من الدبابات دخلت الحيّ، ومن الممكن أن ترتفع وتيرة الاشتباكات".وما تزال الاشتباكات تدور بشكل ضار، باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة، في طريق السور، وطريق بلخير، وبومشماشة، وشارع الزاوية، المحاذية لحي باب بن غشير، فيما يستعد فريق الإخلاء التابع لمركز طب الطوارئ والدعم الحكومي من فتح ممرات لإجراء المواطنين القاطنين في بعض من أجزاء باب بن غشير، وشارع الجمهورية.إلى ذلك تواصل مواقع التواصل الاجتماعي تناقل فيديوهات توثق للأضرار الناجمة عن الاشتباكات، ومنها وقوع قذيفة على مركز طرابلس العام لطب الأسنان، ومقر السجل العقاري، بالإضافة لأضرار أخرى لحقت بمقر البريد العام.وكشف المصدر عن سبب الاشتباكات، قائلاً: "الاشتباكات تدور على خلفية مخاوف من جانب حكومة الوحدة الوطنية أن تكون الكتيبة 77 على ولاء وتبعية للحكومة المكلفة من مجلس النواب، خصوصاً أنها تتمركز في معسكرات ومواقع استراتيجية وسط العاصمة، وأهمها معسكر 77 في باب بن غشير".وتعد قوة جهاز دعم الاستقرار من أقوى الفصائل المسلحة الموالية لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وسبق أن داهم مقرات لواء النواصي في أثناء تسهيله دخول رئيس الحكومة الليبية المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا لطرابلس، منتصف مايو/ أيار الماضي، واضطر لواء النواصي إلى إخراج باشاغا إلى خارج طرابلس، كما سيطر على العديد من مقراته.وفي سياق قريب كشف مصدر حكومي مقرب من حكومة الوحدة الوطنية عن بدء الدبيبة اجتماعا مغلقا في مقر الحكومة، مع رئيس أركان الجيش التابع للحكومة، الفريق محمد الحداد، وأربعة من كبار قادة المجموعات المسلحة، من بينهم آمر "اللواء 444"، محمود حمزة.وأفاد المصدر، الذي فضل عدم كشف هويته، أن الاجتماع يجري حاليا لمناقشة سبل فض الاشتباكات الدائرة في طرابلس "على عجل"، مشيراً إلى أن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، المتواجد حاليا في تونس للمشاركة في قمة طوكيو الدولية، قرر العودة مساء اليوم إلى طرابلس لمتابعة الأوضاع.في غضون ذلك، دانت حكومة الوحدة الوطنية ما تشهده أحياء العاصمة من اشتباكات وترويع للأهالي، خصوصاً في الأحياء المكتظة بالسكان.وأوضحت الحكومة في بيان أن الاشتباكات نجمت "عن قيام مجموعة عسكرية بالرماية العشوائية على رتل مارّ بمنطقة شارع الزاوية، في الوقت الذي تحتشد فيه مجموعات مسلحة في بوابة الـ27 غرب طرابلس وبوابة الجبس جنوب طرابلس، تنفيذاً لما أعلنه المدعو فتحي باشاغا من تهديدات باستخدام القوة للعدوان على المدنية".وأضافت: "تزامناً مع ذلك، وردت معلومات أخرى عن تحشيدات عسكرية ستعبر من الطريق الساحلي إلى شرق طرابلس لزعزعة الأمن والاستقرار في المدينة، في محاولة بائسة لتوسيع دائرة العدوان على المدينة".وفيما يبدو أن الحكومة تحمّل الحكومة المكلفة من مجلس النواب مسؤولية الأحداث في طرابلس، أضافت: "في سياق موازٍ، تستهجن حكومة الوحدة الوطنية ما حدث من غدر وخيانة بعد أن كانت تخوض مفاوضات لتجنيب العاصمة الدماء، بمبادرة ذاتية تلزم جميع الأطراف الذهاب للانتخابات في نهاية العام كحل للأزمة السياسية، إلا أن الطرف الممثل للمدعو فتحي باشاغا قد تهرّب في آخر لحظة، بعد أن كانت هناك مؤشرات إيجابية نحو الحل السلمي بدلاً من العنف والفوضى".وأضافت: "هذا التفاوض الذي أبدت فيه الحكومة مرونة عالية مدت أيديها فيه للسلم، كان بمشاركة أطراف عسكرية وسياسية ممثلة للطرف الآخر الذي أبدت بعض العناصر استجابة وطنية للسلام، كان من المفترض أن يعقد جلسته الثالثة يوم الجمعة في مدينة مصراتة لمناقشة تفاصيل الاتفاق، إلا أنها قد أُلغيت وبشكل مفاجئ في آخر لحظة، بالتزامن مع التصعيدات العسكرية التي شهدتها طرابلس ومحيطها".وأكدت الحكومة أنها "تدين" ما وصفته بـ"العدوان والخيانة" من جانب الحكومة المكلفة من مجلس النواب، مشددة على "وقوفها مع الشعب الليبي عامة وسكان طرابلس على وجه الخصوص للخروج من هذه الأزمة نحو الاستقرار والأمان".وختمت الحكومة بيانها بأنها "لن تتراجع عن تحمّلها مسؤولياتها تجاه وطنها وشعبها، وحفظ أمنه واستقراره وقطع يد كل من أثار الفوضى والفتنة داخل المدينة".في المقابل، نفى رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، ما ورد في بيان لحكومة الوحدة الوطنية بشأن رفض حكومة باشاغا "أي مفاوضات معها".ونقل المكتب الإعلامي لحكومة باشاغا، بأنه منذ أن منحها مجلس النواب الثقة رحّب الأخير "بكل المبادرات المحلية والدولية لحل أزمة انتقال السلطة سلمياً، دون أي استجابة من الحكومة منتهية الولاية"، في إشارة لحكومة الوحدة الوطنية.وفيما ثمن باشاغا الجهود المبذولة من جميع الأطراف المحلية والدول الصديقة والمهتمة بالشأن الليبي، اعتبر أن الجميع اتضح لهم "جلياً في كل محاولاتها تعنت وتشبّث هذه الحكومة ورئيسها (الدبيبة) بالسلطة".وأضاف "أصبح واضحاً لكل الليبيين أن هذه الحكومة مغتصبة للشرعية وترفض كل المبادرات، بما فيها خطاب رئيس الحكومة الليبية الذي لم تمر عليه ثلاثة أيام، وناشدنا فيه رئيس الوزراء السابق عبد الحميد الدبيبة أن يجنح للسلم".من جانب آخر، أعلنت جامعة طرابلس، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، تعليق الدراسة إلى حين إشعار آخر، كذلك أغلقت أغلب مدارس العاصمة أبوابها أمام الطلاب الذين يؤدون امتحانات المرحلة الثانوية.وفي السياق، حمّلت بلدية طرابلس مجلسي النواب والدولة، والمجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، مسؤولية تردي الأوضاع في العاصمة طرابلس، وطالبت المجتمع الدولي بحماية المدنيين.وعبّرت البلدية عن دهشتها من اندلاع اشتباكات "في قلب العاصمة لا تعبأ بحياة المدنيين ولا ممتلكاتهم، وهذا نتيجة سوء إدارة الدولة من الجهات التشريعية والتنفيذية، ورغبتها في الاستمرار في الحكم وتأجيل الانتخابات إلى ما لا نهاية".
*المصدر : العربي الجديد
طرابلس..ليبيا: عودة الاشتباكات في طرابلس إثر توقفها لساعات وتعليق الدوام في الجامعة!!
27.08.2022